الجَماعاتِ جازَت في كلِّ مَسجدٍ، ولم يَقفْ على مَوضعَينِ وثَلاثةٍ، وإن كانَت مُختصَّةً فذلك ما قُلناه (١).
وقالَ الإمامُ الماوَرديُّ ﵀: قالَ الشافِعيُّ ﵀: «ولا يُجمَّعُ في مِصرٍ وإن عظُمَ وكَثُرت مَساجدُه إلا في مَسجدٍ واحدٍ منها». قالَ الماوَرديُّ: وهذا كَما قالَ. لا تَنعقِدُ جمُعتانِ في مِصرٍ، ولا يَجوزُ إِقامتُها إلا في مَسجدٍ واحدٍ، وهو قولُ مالِكٍ وأبي حَنيفةَ.
وقالَ أبو يُوسفَ: إذا كانَ البَلدُ حارَتينِ انعَقدَت فيه جمُعتانِ.
وقالَ مُحمدُ بنُ الحَسنِ: تَنعِقُد جمُعتانِ في كلِّ بَلدٍ، ولا تَنعقِدُ ثَلاثُ جُمعٍ. وأَجرَوا ذلك مَجرَى صَلاةِ العِيدِ، وهذا غَلطٌ.
والدِّلالةُ على صحَّةِ ما ذهَبنا إليه: أنَّ الجمُعةَ وشَرائطَها مُرتبطةٌ بفِعلِ النَّبيِّ ﷺ ومَحدودةٌ فيه، فلا يَتجاوَزُ حكمُها عن شَرطِه وفِعلِه، فكانَ ممَّا وصَفَ به الجمُعةَ وجعَلَه شَرطًا لها أن عطَّلَ لها الجَماعاتِ، وأَقامَها في مَسجدٍ واحدٍ، في أوَّلِ الأمرِ، وعندَ انتِشارِ المسلِمينَ وكَثرَتِهم، ثم جَرى عليه الخُلفاءُ ﵃ بعدَه، ولو جازَت في مَوضعَينِ لَأبانَ ذلك ولو مرَّةً واحدةً، إمَّا بقولِه أو بفِعلِه، ولأنَّها لا تَخلو مِنْ أحَدِ أمرَينِ: إمَّا أن يَصحَّ انعِقادُها في كلِّ مَسجدٍ؛ إلحاقًا بصَلاةِ الجَماعةِ، أو ألَّا يَصحَّ انعِقادُها إلا في مَسجدٍ واحدٍ؛ اختِصاصًا لها بتَعطيلِ الجَماعةِ؛ إذ ليسَ هناك أصلٌ ثابِتٌ تُردُّ إليه، فلمَّا لم يَصحَّ انعقادُها في كلِّ مَسجدٍ، ثبَتَ أنَّه
(١) «الإشراف على نُكت مسائل الخلاف» (٢/ ٢٥، ٢٦) رقم (٣٥٤).