وقالَ السَّرخسيُّ ﵀: واختلَفتِ الرِّواياتُ في إقامةِ الجمُعةِ في مَوضعَينِ في مِصرٍ واحدٍ، فالصَّحيحُ مِنْ قولِ أَبي حَنيفةَ ومُحمدٍ -رحمهما الله- أنَّه يَجوزُ إقامةُ الجمُعةِ في مِصرٍ واحدٍ في مَوضعَينِ وأكثرَ مِنْ ذلك.
وعن أَبي يُوسفَ ﵀ فيه رِوايَتانِ، في إحدى الرِّوايَتينِ: تَجوزُ في مَوضعَينِ ولا تَجوزُ في أكثرَ مِنْ ذلك، وفي الرِّوايةِ الأُخرى: لا يَجوزُ إقامةُ الجمُعةِ في مِصرٍ واحدٍ في مَوضعَينِ إلا أن يَكونَ في وسَطِ المِصرِ نَهرٌ عَظيمٌ، كما هو ببَغدادَ، فحينَئذٍ يَكونُ كلُّ جانِبٍ في حُكمِ مِصرٍ على حِدَةٍ (١).
وقالَ القاضِي عبدُ الوهَّابِ ﵀: مَسألةٌ: لا تَنعقِدُ الجمُعةُ في المِصرِ الواحدِ إلا في مَوضعٍ واحدٍ، خِلافًا لِأبي حَنيفةَ ومُحمدٍ؛ لقولِ اللهِ تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ٩]، فكانَ هذا مُجمَلًا، فبيَّنه النَّبيُّ ﷺ بفِعلِه، فأقامَ الجمُعةَ في مَوضعٍ واحدٍ، مُفتتِحًا لها، مُبتدِئًا، أُقيمَت في خَمسةِ مَواضعَ وأكثرَ، ولأنَّ السَّعيَ إلى الأُولى قد وجَبَ بالنِّداءِ إليها، والثانيةِ يَقعُ مَنهيًّا عنها؛ لأنَّ على مَنْ يُقيمُها أن يَسعَى إلى الأُولى ويَتركَ ما هو فيه؛ ولأنَّها لو جازَت في مَوضعَينِ لكانَ مَنْ سمِعَ النِّداءَ فيهما لا يَخلُو مِنْ أن يُجيبَهما، ولا يُمكِنُ ذلك، أو أن يَكونَ مُخيَّرًا، وليسَ في ذلك تَخييرٌ؛ فلم يَبقَ إلا المَنعُ، ولأنَّها لا يَخلُو أن تَكونَ كسائرِ الجَماعاتِ أو بخِلافِها، فإن كانَت كسائرِ