للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا﴾ [الجمعة: ١١]. ولأنَّ التَّحديدَ لا يُصارُ إليه إلا بتَوقيفٍ، وذلك مَعدومٌ، واعتِبارًا بالأربَعينَ؛ لعِلةِ حُصولِ عددٍ تَتقرَّى بهمُ القَريةُ، ويُمكِنُ فيهمُ الإِقامةُ. ودَليلُنا على أَصحابِ أَبي حَنيفةَ أنَّ الجمُعةَ لمَّا كانَ مِنْ شَرطِها الإِقامةُ بدَليلِ سُقوطِها على أهلِ البادِيةِ، وجَبَ أن يَكونَ مِنْ شُروطِ وُجوبِها مَنْ يُمكِنُه الإِقامةُ مِنْ الجُمعِ، ومَعلومٌ أنَّ ذلك لا يُمكِنُ في الاثنَينِ والثَّلاثةِ والعددِ القَليلِ؛ فوجَبَ أن يُراعَى ما يُمكِنُ ذلك فيه (١).

وعنِ الإمامِ أحمدَ عِدَّةُ رِواياتٍ أُخرى: قالَ في «الإِنصاف»: وعنه تَنعقِدُ بثَلاثَةٍ، اختارَها الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وعنه: تَنعقِدُ في القُرَى بثَلاثةٍ، وبأربَعينَ في أهلِ الأَمصارِ. وعنه: تَنعقِدُ بحُضورِ سَبعةٍ، وعنه: تَنعقِدُ بخَمسةٍ، وعنه: تَنعقِدُ بأربَعةٍ. وعنه: لا تَنعقِدُ إلا بحُضورِ خَمسينَ (٢).

ويَجبُ حُضورُ ما لا يَقلُّ عن هذا العددِ مِنْ أوَّلِ الخُطبةِ، قالَ الإمامُ الكاسانِيُّ: لو نَفَروا قبلَ أن يَخطُبَ الإمامُ، فخطَبَ الإمامُ وَحدَه، ثم حَضروا فصلَّى بهمُ الجمُعةَ، لا يَجوزُ؛ لأنَّ الجَماعةَ كما هي شَرطُ انعِقادِ الجمُعةِ حالَ الشُّروعِ في الصَّلاةِ، هي شَرطٌ حالَ سَماعِ الخُطبةِ؛ لأنَّ الخُطبةَ بمَنزِلةِ شَفعٍ مِنْ الصَّلاةِ (٣).


(١) «الإشراف على نُكت مسائل الخلاف» (١/ ٤١٤، ٤١٦) رقم (٣٢٩).
(٢) «الإنصاف» (٢/ ٣٧٨، ٣٧٩).
(٣) «معاني الآثار» (١/ ٢٠١)، وانظر: «المغني» (٣/ ٤٥)، و «المجموع» (٥/ ٦٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>