للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيلَ: إنما لا يَسقطُ الحَدُّ عن المُحارِبينِ بعدَ القُدرةِ عليهم -واللهُ أعلَمُ- لأنهُم مُتهَمونَ بالكَذبِ في تَوبتِهم والتصنُّعِ فيها إذا نالَتْهم يَدُ الإمامِ، أو لأنه لمَّا قُدرَ عليهِم صارُوا بمَعرضٍ أنْ يُنكَّلَ بهم، فلمْ تُقبلْ تَوبتُهم، كالمُتلبِّسِ بالعذابِ مِنْ الأمَمِ قبلَنا، أو مَنْ صارَ إلى حالِ الغَرغرةِ فتابَ، فأما إذا تَقدَّمتْ تَوبتُهم القُدرةَ عليهِم فلا تُهمةَ وهي نافِعةٌ …

فأما الشُّرَّابُ والزناةُ والسُّراقُ إذا تابُوا وأصلَحُوا وعُرفَ ذلكَ منهُم ثم رُفِعوا إلى الإمامِ فلا يَنبغِي له أنْ يَحُدَّهم، وإنْ رُفِعوا إليهِ فقالوا: «تُبْنا» لم يُتركُوا، وهُم في هذهِ الحالِ كالمُحارِبينَ إذا غُلِبوا، واللهُ أعلَمُ (١).

وقالَ الإمامُ العَمرانِيُّ : وإذا تابَ قاطعُ الطريقِ .. نظَرْتَ: فإنْ تابَ بعَد قُدرةِ الإمامِ عليهِ .. لم يَسقطْ عنه شَيءٌ مما وجَبَ عليه مِنْ حُدودِ المُحارَبةِ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)[المائدة: ٣٤]، فشرَطَ في الغُفرانِ وفي سُقوطِ أحكامِ المُحارَبةِ عنهم أنْ تكونَ التوبةُ قبلَ القُدرةِ عليهِم، فدَلَّ على أنها إذا كانَتْ بعدَ القُدرةِ عليهم .. لم يُؤثِّرْ ذلكَ؛ لأنَّ المُحارِبَ إذا حصَلَ في قَبضةِ الإمامِ .. وجَبَ عليه إقامةُ الحَدِّ عليهِ، وإذا تابَ في هذه الحالِ .. فالظاهرُ أنه تابَ للتقيَّةِ مِنْ إقامةِ الحَدِّ عليه، فلمْ يَسقطْ.

فأما إذا تابَ قبلَ قُدرةِ الإمامِ عليه .. فإنه تَسقطُ عنه الحُدودُ التي يَختصُّ وجوبُها بالمُحارَبةِ قَولًا واحدًا، وهي: قَطعُ الرِّجلِ وانحِتامُ القتلِ


(١) «تفسير القرطبي» (٦/ ١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>