للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: وإنْ شاءَ صَلبَهم فقطْ؛ لِما في كُلٍّ منهِمُا مِنْ الإهلاكِ، وفيهِ كِفايةٌ في الزَّجرِ (١).

وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّ قولَ اللهِ تعالَى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣)[المائدة: ٣٣] على التَّخييرِ بينَ القَتلِ والصَّلبِ والقَطعِ والنَّفيِ؛ لأنَّ «أَوْ» تَدخلُ في الكَلامِ للتخييرِ في الأوامرِ، والشَّكِ في الأخبارِ، وهذا أمرٌ، فكانَتْ للتخييرِ كهيَ في كفَّارةِ اليَمينِ.

فيُخيَّرُ الإمامُ بينَ هذهِ الأمورِ، ويَستشيرُ بذلكَ أهلَ العِلمِ والرأيِ والفَضلِ على قَدرِ جُرمِ المُحارِبِ وإفسادِه، وليسَ ذلكَ إلى سِوى الإمامِ.

إلا أنْ يكونَ المُحارِبُ قد قتَلَ فيَتحتَّمُ قتلُه، سَواءٌ كانَ المَقتولُ مُكافِئًا كمُسلمٍ حُرٍّ، بل ولو كافِرًا ورَقيقًا قتَلَه مُسلمٌ حُرٌّ أو أعانَ على قَتلِه ولو بجاهِه، فيُقتلُ للحِرابةِ بلا صَلبٍ أو مع صَلبٍ، ولا يَجوزُ قَطعُه ولا نَفيُه، وليسَ لوَليِّ الدَّمِ عَفوٌ عنه قبلَ مَجيئِه تائبًا، فإنْ جاءَ تائبًا فللوليِّ العَفوُ؛ لأنَّ قتْلَه حِينئذٍ قِصاصٌ لا يَسقطُ بمَجيئِه تائبًا، بل بعَفوِ الوليِّ عنه.

وإنْ قُدِرَ عليه ولم يَكنْ قد قتَلَ أحَدًا فيُخيَّرُ الإمامُ في أمورٍ أربَعةٍ، ويُندَبُ له العَملُ بالمَصلحةِ:


(١) «أحكام القرآن» (٤/ ٥٤، ٥٨)، و «المبسوط» (٩/ ١٩٥، ١٩٨)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ٩٣، ٩٤)، و «الهداية» (٢/ ١٣٢)، و «الاختيار» (٤/ ١٣٧، ١٣٨)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٤١٨، ٤٢٠)، و «اللباب» (٢/ ٣٣٥، ٣٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>