الأربَعِ، دَلَّ أنه لا يُمكِنُ العَملُ بظاهرِ التخييرِ، على أنَّ التخييرَ الوارِدَ في الأحكامِ المُختلِفةِ مِنْ حُيثِ الصورةُ بحَرفِ التخييرِ إنما يَجرِي على ظاهرِه إذا كانَ سَببُ الوُجوبِ واحِدًا، كما في كفَّارةِ اليَمينِ وكفَّارةِ جَزاءِ الصَّيدِ.
أما إذا كانَ مُختلِفًا فيُخرَّجُ مَخرجَ بَيانِ الحُكمِ لكلٍّ في نفسِه، كما في قولِه تعالَى: ﴿قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (٨٦)﴾ [الكهف: ٨٦] إنَّ ذلكَ ليس للتخييرِ بينَ المُذكورَينَ، بل لبَيانِ الحُكمِ لكلٍّ في نفسِه؛ لاختِلافِ سَببِ الوُجوبِ، وتأويلُه: إمَّا أنْ تُعذِّبَ مَنْ ظلَمَ أو تَتخذَّ الحُسنَ فيمَن آمَنَ وعَمِلَ صالحًا، ألَا تَرَى إلى قولِه: ﴿أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ﴾ [الكهف: ٨٧] الآيَة، ﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى﴾ [الكهف: ٨٨] الآيَة، وقَطعُ الطَّريقِ مُتنوِّعٌ في نَفسِه وإنْ كانَ مُتحِدًا مِنْ حيثُ الذاتُ، قد يَكونُ بأخذِ المالِ وحْدَه، وقد يَكونُ بالقتلِ لا غيرَ، وقد يكونُ بالجَمعِ بينَ الأمرَينِ، وقد يكونُ بالتَّخويفِ لا غيرَ، فكانَ سَببُ الوُجوبِ مُختلِفًا، فلا يُحملُ على التَّخييرِ، بل على بَيانِ الحُكمِ لكلِّ نَوعٍ، أو يُحتمَلُ هذا ويُحتمَلُ التَّخييرُ، فلا يكونُ حُجةً مع الاحتِمالِ، وإذا لم يُمكِنْ صُرفَتِ الآيةُ الشَّريفةُ إلى ظاهرِ التخييرِ في مُطلَقِ المُحارِبِ، فتُحملُ على الترتيبِ ويُضمَرُ في كلِّ حُكمٍ مَذكورٍ نَوعٌ مِنْ أنواعِ قَطعِ الطريقِ، كأنه قالَ ﷾: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا﴾ [المائدة: ٣٣] إنْ أخَذوا المالَ وقَتَلوا، ﴿أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ﴾ [المائدة: ٣٣] إنْ أخَذوا المالَ لا غيرَ، ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] إنْ أخافُوا، هكذا ذكَرَ سَيدُنا جِبريلُ