للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَدلُّ على أنَّ في الآيةِ ضَميرًا ولا تَخييرَ فيها اتِّفاقُ الجَميعِ على أنهم لو أخَذُوا المالَ ولم يَقتلُوا لم يَجُزْ للإمامِ أنْ يَنفيَه ويَتركَ قطْعَ يَدِه ورِجلِه، وكذلكَ لو قَتلُوا وأخَذُوا المالَ لم يَجُزْ للإمامِ أنْ يُعفيَه مِنْ القَتلِ أو الصَّلبِ، ولو كانَ الأمرُ على ما قالَ القائِلونَ بالتَّخييرِ لَكانَ التَّخييرُ ثابتًا فيما إذا أخَذُوا المالَ وقَتَلوا أو أخَذُوا المالَ ولم يَقتلُوا، فلمَّا كانَ ذلك على ما وصَفْنا ثبَتَ أنَّ في الآيةِ ضَميرًا، وهو أنْ يُقتَلوا إنْ قَتَلوا، أو يُصلَبُوا إنْ قَتَلوا وأخَذُوا المالَ، أو تُقطَّعَ أيدِيهِم وأرجُلُهم مِنْ خِلافٍ إنْ أخَذُوا المالَ ولم يَقتُلوا، أو يُنفَوا مِنْ الأرضِ إنْ خَرَجوا ولم يَفعَلوا شَيئًا مِنْ ذلكَ حتى ظفرَ بهِم.

٤ - ولأنَّ اختِلافَ العُقوباتِ يُوجِبُ اختِلافَ أسبابِها.

٥ - ولأنَّ التخييرَ مُفْضٍ إلى أنْ يُعاقَبَ مَنْ قَلَّ جُرمُه بأغلَظِ العُقوباتِ، ومَن كَثُرَ جُرمُه بأخَفِّ العُقوباتِ، والترتيبُ يَمنعُ مِنْ هذا التناقُضِ؛ لأنه يُعاقبُ في أقَلِّ الجُرمِ بأخَفِّ العُقوباتِ، وفي كَثرةِ الجُرمِ بأغلَظِها، فكانَ أَولى؛ لأنَّ الجَزاءَ على قَدرِ الجِنايةِ يَزدادُ بزِيادةِ الجِنايةِ ويَنتقصُ بنُقصانِها، هذا هو مُقتضَى العَقلِ والسَّمعِ أيضًا، قالَ اللهُ : ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠]، فالتخييرُ في الجِنايةِ القاصِرةِ بالجَزاءِ في الجَزاءِ الذي هو جَزاءٌ في الجِنايةِ الكامِلةِ، وفي الجِنايةِ الكَاملةِ بالجَزاءِ الذي هو جَزاءٌ في الجِنايةِ القاصِرةِ خِلافُ المَشروعِ.

يُحقِّقُه أنَّ الأمَّةَ اجتَمعَتْ على أنَّ القُطَّاعَ لو أخَذوا المالَ وقَتَلوا لا يُجازَونَ بالنفيِ وحْدَه وإنْ كانَ ظاهرُ الآيةِ يَقتضي التَّخييرَ بينَ الأجزِيةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>