للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَعضُدُ هذا أنَّ مَنْ حضَرَ الوقعةَ شُركاءُ في الغَنيمةِ وإنْ لم يَقتلْ جَميعُهم، وقد اتَّفقَ معَنا على قَتلِ الرِّدءِ وهو الطالعُ، فالمُحارِبُ أَولى (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : وحُكمُ الرِّدءِ مِنْ القُطَّاعِ حُكمُ المُباشِرِ، بهذا قالَ مالكٌ وأبو حَنيفةَ، وقالَ الشافِعيُّ: ليسَ على الرِّدءِ إلا التَّعزيرُ؛ لأنَّ الحَدَّ يَجبُ بارتِكابِ المَعصيةِ، فلا يَتعلَّقُ بالمُعِينِ كسائرِ الحُدودِ.

ولنَا: إنه حُكمٌ يَتعلَّقُ بالمُحارَبةِ، فاستَوى فيه الرِّدءُ والمُباشِرُ كاستحقاقِ الغَنيمةِ؛ وذلكَ لأنَّ المُحاربةَ مَبنيةٌ على حَصولِ المنَعةِ والمُعاضَدةِ والمُناصَرةِ، فلا يَتمكنُ المُباشِرِ مِنْ فعلِه إلا بقُوةِ الرِّدءِ، بخِلافِ سائرِ الحُدودِ، فعَلى هذا إذا قتَلَ واحدٌ منهُم ثبَتَ حُكمُ القَتلِ في حَقِّ جَميعِهم، فيَجبُ قَتلُ جَميعِهم، وإنْ قتَلَ بعضُهم وأخَذَ بعضُهم المالَ جازَ قَتلُهم وصَلبُهم، كما لو فعَلَ الأمرَينِ كلُّ واحدٍ منهم (٢).

وقالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ : وكذلكَ في العُقوبةِ يُقتلُ الرِّدءُ والمُباشِرُ مِنْ المُحارِبينَ عندَ جَماهيرِ الفُقهاءِ، كما قتَلَ عُمرُ رَبيئةَ المُحارِبينَ، وهو قولُ مالكٍ وأبي حَنيفةَ وأحمدَ، وهو مَذهبُ مالكٍ في القَتلٍ قَوَدًا وفي السُّراقِ أيضًا (٣).

وذهَبَ الشافِعيةُ إلى أنَّ مَنْ حضَرَ منهُم وكَثَّرَ أو هِيبَ أو كانَ رِدءًا عُزِّرَ وحُبسَ؛ لأنَّ حُدودَ اللهِ تعالَى على مَنْ باشَرَها دُونَ الرِّدءِ المُعاونِ عليها


(١) «أحكام القرآن» (٢/ ١٠١).
(٢) «المغني» (٩/ ١٣١)، و «الكافي» (٤/ ١٦٩).
(٣) «مجموع الفتاوى» (١٤/ ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>