للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدَفعِ الرِّدءِ المُكثرِ، فصارَ الأخذُ مُضافًا إليهِ، فوجَبَ أنْ يُقامَ الحَدُّ عليهِما.

وهذا لأنَّ الرِّدءَ مُحارِبٌ مُفسِدٌ، ووُقوفُه ليَتمكَّنَ المُباشِرُ مِنْ الأخذِ وليَقتلَ هو إنْ أمكَنَه ويَدفعَ عن المُباشِرِ العَوائقَ ويَنضمَّ المُباشِرُ إليهِ إنْ تَعذَّرَ، وهذا هو المُعتادُ بينَهُم، ولو اشتَغلَ الكُلُّ بالمُباشَرةِ لَمَا تَهيَّأَ لهم غَرضُهم، فيكونُ الكلُّ مُحارِبينَ مُفسِدينَ، فيَدخلونَ تحتَ قولِه تعالَى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: ٣٣]، وأيُّ مُحارَبةٍ وأيُّ فَسادٍ يكونُ أشَدَّ منهُ، ولهذا جازَ قَتلُ رِدءِ أهلِ البَغيِ، ولولا أنه مُحارِبٌ لَمَا جازَ، فإذا ثبَتَ أنه مُحارِبٌ أُجرِيَ عليه أحكامُه (١).

قالَ الإمامُ ابنُ بطَّالٍ : وحُكمُ الرِّدءِ في جَميعِ أحكامِ الإسلامِ حُكمُ المُقاتِلِ، وكذلكَ في رَدِّ اللصوصِ والمُحارِبينَ عندَ مالكٍ وأكثَرِ الكُوفيِّينَ، يُقتَلُ بقَتلِهم ويَجبُ عليه ما يَجبُ عليهم وإنْ كانوا لم يَحضُروا الفعلَ (٢).

وقالَ الإمامُ ابنُ العَربيِّ : اتَّفقَ أكثَرُ العُلماءِ على أنَّ الرِّدءَ يُحكَمُ فيه بحُكمِ المُقاتِلِ (٣).

وقالَ أيضًا: إذا خرَجَ المُحارِبونَ فاقتَتَلوا مع القافِلةِ فقتَلَ بعضُ المُحارِبينَ ولم يَقتلْ بَعضٌ قُتلَ الجَميعُ.

وقالَ الشافِعيُّ: لا يُقتلُ إلا مَنْ قتَلَ، وهذا مَبنيٌّ على تَخييرِ الإمامِ وتَفصيلِ الأحكامِ وقد تَقدَّمَ.


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٩٠، ٩١)، و «الاختيار» (٤/ ١٣٩)، و «تبيين الحقائق» (٣/ ٢٣٨).
(٢) «شرح صحيح البخاري» (١/ ٤٧).
(٣) «أحكام القرآن» (١/ ١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>