ولنا: إنها عَينٌ مُحرَّمةٌ، فلا يُقطَعُ بسَرقتِها كالخِنزيرِ، ولأنَّ ما لا يُقطعُ بسَرقتِه مِنْ مالِ المُسلمِ لا يُقطعُ بسَرقتِه مِنْ الذِّميِّ كالميتةِ والدمِ، وما ذكَرُوه يَنتقضُ بالخِنزيرِ ولا اعتِبارَ به؛ فإنَّ الاعتبارَ بحُكمِ الإسلامِ، وهو يَجرِي عليهم دونَ أحكامِهم، وهكذا الخِلافُ معهُ في الصَّليبِ إذا بلَغَتْ قِيمتُه مع تأليفِه نِصابًا، وأمَّا آلةُ اللَّهوِ كالطُّنبورِ والمِزمارِ والشبَّابةِ فلا قطْعَ فيهِ وإنْ بلَغَتْ قيمتُه مُفصَّلًا نِصابًا، وبهذا قالَ أبو حَنيفةَ، وقالَ أصحابُ الشافِعيِّ: إنْ كانَتْ قِيمتُه بعدَ زوالِ تأليفِه نِصابًا ففيهِ القَطعُ، وإلا فلا؛ لأنه سَرقَ ما قِيمتُه نِصابٌ لا شُبهةَ له فيه مِنْ حِرزِ مِثلِه وهو مِنْ أهلِ القَطعِ، فوجَبَ قَطعُه كما لو كانَ ذَهبًا مَكسورًا.
ولنا: إنه آلةٌ للمَعصيةِ بالإجماعِ، فلمْ يُقطعْ بسَرقتِه كالخَمرِ، ولأنَّ له حقًّا في أخذِها لكَسرِها، فكانَ ذلكَ شُبهةً مانِعةً مِنْ القطعِ كاستِحقاقِه مالَ ولَدِه، فإنْ كانَتْ عليهِ حِليةٌ تَبلغُ نِصابًا فلا قطْعَ فيه أيضًا في قِياسِ قَولِ أبي بَكرٍ؛ لأنه مُتصِلٌ بما لا قطْعَ فيهِ فأشبَهَ الخشَبَ والأوتارَ، وقالَ القاضي: فيه القَطعُ، وهو مَذهبُ الشافِعيِّ؛ لأنه سَرقَ نِصابًا مِنْ حِرزِه، فأشبَهَ المُنفرِدَ.
فصلٌ: وإنْ سَرقَ صَليبًا مِنْ ذَهبٍ أو فِضةٍ يَبلغُ نِصابًا مُتصِلًا فقالَ القاضي: لا قطْعَ فيهِ، وهو قَولُ أبي حَنيفةَ، وقالَ أبو الخطَّابِ: يُقطعُ سارقُه، وهو مَذهبُ الشافِعيِّ، ووَجهُ المَذهبَينِ ما تقدَّمَ، والفَرقُ بينَ هذهِ المَسألةِ وبينَ التي قبلَها أنَّ التي قبلَها له كَسرُه بحَيثُ لا تَبقى له قِيمةٌ تَبلغُ نِصابًا، وهاهُنا لو كسَرَ الذَّهبَ والفِضةَ بكُلِّ وَجهٍ لم تَنقصْ قِيمتُه عن النِّصابِ، ولأنَّ الذَّهبَ والفِضةَ جَوهَرُهما غالبٌ على الصَّنعةِ المُحرَّمةِ، فكانَتِ