وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّ مَنْ سرَقَ قدْرَ حقِّه ولو مِنْ غيرِ جنسِه أو فوقَه دونَ نِصابٍ مِنْ مالِ جاحِدٍ لحقِّه -سواءٌ كانَ هذا الحَقُّ الذي جحَدَه وَديعةً أو غيرَها كدَينٍ مِنْ قَرضٍ أو بَيعٍ- أو أنكَرَ أو كانَ يُماطِلُه فإنه لا يُقطَعُ، والأصلُ فيه حِديثُ هِندَ، وهذا إنْ أقامَ السارقُ بيِّنةً أنَّ له عندَه مالًا وأنه مَطلَه بهِ، وإلا قُطعَ، ولا يُعتبَرُ إقرارُ رَبِّ الشيءِ المَسروقِ أنَّ المالَ مالُه وأنه جحَدَه أو ماطَلَه فيه؛ لأنه يُتهَمُ.
وكذلكَ لا قطْعَ على مَنْ سرَقَ مِنْ آخَرَ ثلاثةَ دَراهمَ فأكثرَ ترتَّبَتْ له عليه وتَعذَّرَ حُضورُ بيِّنةٍ، ثمَّ لمَّا أقامَ المَسروقُ منه بيِّنةً بالسرقةِ وترَتَّبَ على السارقِ القَطعُ أقامَ السارقُ بيِّنةً بأنَّ المالَ لهُ وأنَّ المَسروقَ منه جحَدَه فيه.
فعَدمُ القَطعِ عندَ الجُحود أو المُماطَلة، أمَّا إذا كانَ مُقِرًّا به وغيرَ مُماطِلٍ فيُقطعُ (١).
وذهَبَ الشافِعيةُ إلى أنَّ مَنْ سرَقَ مِنْ مالِ غَريمِه الجاحدِ للدَّينِ الحالِّ أو المماطِلِ وأخَذَه بقَصدِ الاستيفاءِ لم يُقطَعْ؛ لأنه حِينئذٍ مَأذونٌ له في أخذِه شَرعًا، وغيرُ جِنسِ حقِّه كهوَ، أي: كجِنسِ حقِّه في ذلكَ، ولا يُقطَعُ
(١) «التاج والإكليل» (٥/ ٣٥١)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ٩٦)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٣٤٢)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٣٧١).