وقالَ أبو يُوسفَ: إذا سَرقَ مِنْ أمِّه مِنْ الرَّضاعِ لا يُقطَعُ؛ لأنَّ المُباسَطةَ بينَهُما في الدُّخولِ ثابتةٌ عُرفًا وعادةً، فإنَّ الإنسانَ يَدخلُ في مَنزلِ أمِّه مِنْ الرَّضاعِ مِنْ غيرِ إذنٍ كما يَدخلُ في مَنزلِ أمِّه مِنْ النَّسبِ، بخِلافِ الأختِ مِنْ الرَّضاعِ.
ولو سَرقَ مِنْ امرأةِ أبيهِ أو مِنْ زَوجِ أمِّه أو مِنْ حَليلةِ ابنِه أو مِنْ ابنِ امرأتِه أو بنتِها أو أمِّها يُنظَرُ؛ إنْ سرَقَ مالَهم مِنْ مَنزلِ مَنْ يُضافُ السارقُ إليه مِنْ أبيهِ وأمِّه وابنِه وامرأتِه لا يُقطَعُ بلا خِلافٍ؛ لأنه مَأذونٌ بالدخولِ في مَنزلِ هؤلاءِ، فلم يَكنِ المَنزلُ حِرزًا في حقِّه.
وإنْ سرَقَ مِنْ مَنزلٍ آخَرَ فإنْ كانَا فيه لم يُقطَعْ بالإجماعِ، وإنْ كانَ لكُلِّ واحدٍ منهُما مَنزلٌ على حِدةٍ اختُلفَ فيهِ:
قالَ أبو حَنيفةَ: لا يُقطَعُ؛ لأنَّ في الحِرزِ شُبهةً؛ لأنَّ حقَّ التَّزاورِ ثابتٌ بينَه وبينَ قَريبِه؛ لأنَّ كونَ المَنزلِ لغيرِ قَريبِه لا يَقطعُ التزاورَ، وهذا يُورثُ شُبهةَ إباحةِ الدخولِ للزِّيارةِ، فيَختلُّ معنَى الحِرزِ.
وقالَ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ: يُقطعُ إذا سَرقَ مِنْ غيرِ مَنزلِ السارقِ أو مَنزلِ أبيه أو ابنِه؛ لأنَّ المانعَ هو القَرابةُ، ولا قَرابةَ بينَ السارقِ وبينَ المَسروقِ، بل كُلُّ واحدٍ منهُما أجنَبيٌّ عن صاحبِه، فلا يَمنعُ وُجوبَ القَطعِ كما لو سَرقَ مِنْ أجنبيٍّ آخَرَ (١).
(١) «أحكام القرآن» (٤/ ٨١، ٨٣)، و «المبسوط» (٩/ ١٥١، ١٥٢)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ٧٥)، و «تبيين الحقائق» (٣/ ٢٢٠)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٣٩٧، ٣٩٨)، و «اللباب» (٢/ ٣٢٨).