حاطبٍ سَرَقوا ناقةَ رَجلٍ مِنْ مُزينةَ وأقَرُّوا على أنفُسِهم، فقالَ عُمرُ: يا كَثيرُ ابنُ الصَّلتِ اذهَبْ فاقطَعْ أيدِيَهُم، فلمَّا ولَّى بهم رَدَّهم عُمرُ ثمَّ قالَ: أمَا واللهِ لَولا أني أعلَمُ أنَّكُم تَستعمِلونَهم وتُجيعُونَهم حتى إنَّ أحَدَهم لو أكَلَ ما حرَّمَ اللهُ عليهِ حَلَّ لهُ لَقطَعْتُ أيدِيَهم، وايمُ اللهِ إذا لم أفعَلْ لَأغرِّمَنَّكَ غَرامةً تُوجِعُكَ، ثم قالَ: يا مُزنِيُّ بكَم أريدَتْ مِنْكَ ناقتُكَ؟ قالَ: بأربعِ مائةٍ، قالَ عُمرُ: اذهَبْ فأعطِه ثمانِيَ مائةٍ» (١).
وذهَبَ أحمَدُ إلى مُوافَقةِ عُمرَ في الفَصلينِ جَميعًا في مَسائلِ إسماعيلَ بنِ سَعيدٍ الشالَنجيِّ التي شرَحَها السَّعديُّ بكتابٍ سمَّاهُ «المُتَرجم»، قالَ: سألْتُ أحمَدَ بنَ حَنبلٍ عن الرَّجلِ يَحملُ الثَّمرَ مِنْ أكمامِه، فقالَ: فيهِ الثَّمنُ مَرَّتينِ وضَربُ نَكالٍ، وقالَ: وكُلُّ مَنْ دَرأْنا عنه الحَدَّ والقَودَ أضعَفْنا عليه الغُرمَ.
وقد وافَقَ أحمدُ على سُقوطِ القطعِ في المَجاعةِ الأوزاعيَّ، وهذا مَحضُ القِياسِ ومُقتضَى قواعدِ الشَّرعِ؛ فإنَّ السَّنةَ إذا كانَتْ سَنةَ مَجاعةٍ وشدَّةٍ غلَبَ على الناسِ الحاجةُ والضَّرورةُ، فلا يَكادُ يَسلمُ السارقُ مِنْ ضَرورةٍ تَدعوهُ إلى ما يَسدُّ به رمَقَه، ويَجبُ على صاحبِ المالِ بَذلُ ذلكَ له، إما بالثَّمنِ أو مجَّانًا على الخلافِ في ذلكَ، والصَّحيحُ وُجوبُ بَذلِه مجَّانًا؛ لوُجوبِ المُواساةِ وإحياءِ النُّفوسِ مع القَدرةِ على ذلكَ والإيثارِ بالفَضلِ مع ضَرورةِ المُحتاجِ، وهذه شُبهةً قَويةٌ تَدرأُ القَطعَ عن المُحتاجِ، وهي أقوَى مِنْ كَثيرٍ مِنْ الشُّبَهِ التي يَذكرُها كثيرٌ مِنْ الفُقهاءِ، بل إذا وازَنْتَ