للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعراضَكُم عَليكُم حَرامٌ» (١)، فأضافَ العِرضَ إلينَا كإضافةِ الدَّمِ والمالِ، فوجَبَ أنْ يكونَ ما في مُقابَلتِه للمَقذوفِ كالدَّمِ والمالِ.

ولأنه حَقٌّ على البَدنِ إذا ثبَتَ بالاعتِرافِ .. لم يَسقطْ بالرُّجوعِ، فكانَ للآدَميِّ كالقِصاصِ؛ لأنه لا خِلافَ أنه لا يُستوفَى إلا بمُطالَبةِ الآدَميِّ، فكانَ حقًّا له كالقِصاصِ، وعليه: يَجوزُ له العفوُ عنه إذا رُفعَ للحاكِمِ ويُورَثُ عنه ويَكونُ حقًّا لجَميعِ الورَثةِ (٢).

قالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ الجَدُّ : ولا اختِلافَ في أنَّ القذفَ حقٌّ للمَقذوفِ، وإنَّما اختُلفَ هل يَتعلَّقُ فيه حَقٌّ للهِ تعالَى أم لا؟ على الثَّلاثةِ الأقوالِ التي ذكَرْناها، وقد قالَ عبدُ الوَهابِ في «المَعُونة»: اختُلفَ عن مالكٍ في حَدِّ القذفِ هل هو مِنْ حُقوقِ اللهِ تعالَى أو مِنْ حُقوقِ الآدَميِّينَ؟ وفائدةُ ذلكَ أنه إنْ كانَ مِنْ حُقوقِ اللهِ فلا يَجوزُ العفوُ عنه بعدَ بُلوغِه إلى الإمامِ، وإنْ كانَ مِنْ حُقوقِ الآدَميِّينَ جازَ العفوُ عنه، والصَّحيحُ أنه مِنْ حُقوقِ الآدَميِّينَ؛ بدَليلِ أنه يُورَثُ عن المَقذوفِ، وحُقوقُ اللهِ تعالَى لا تُورَثُ، ولأنه لا يُستحَقُّ إلا بمُطالَبةِ الآدَميِّ، والله أعلَمُ. هذا نَصُّ قولِه في «المَعونِة» وفيهِ نَظرٌ، فالصَّحيحُ ما ذكَرْناه (٣).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تَقدَّمَ.
(٢) «البيان والتحصيل» (١٦/ ٢٩٠)، و «أحكام القرآن» (٣/ ٣٤٤)، و «البيان» (١٢/ ٤١٧، ٤١٨)، و «أسنى المطالب» (٤/ ١٣٦)، و «المغني» (٩/ ٧٩)، و «الفروع» (٤/ ٢٠٦)، و «المبدع» (٩/ ٨٤)، و «الإنصاف» (١٠/ ٢٠٠)، و «مطالب أولي النهى» (٦/ ٢٠٧).
(٣) «البيان والتحصيل» (١٦/ ٢٩٠، ٢٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>