للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يَختلفْ قولُه أنَّ عفْوَ الأبِ عن ابنِه والابنِ عن أبيه في ذلكَ جائزٌ قبْلَ التَّرافُعِ وبعدَه (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ : وأمَّا سُقوطُه فإنهم اختَلفُوا في سُقوطِه بعفوِ المَقذوفِ:

فقالَ أبو حَنيفةَ والثَّوريُّ والأوزاعيُّ: لا يَصحُّ العَفوُ، أي: لا يَسقطُ الحَدُّ.

وقالَ الشافِعيُّ: يَصحُّ العفوُ، أي يَسقطُ الحَدُّ، بلَغَ الإمامَ أو لم يَبلغْ.

وقالَ قَومٌ: إنْ بلَغَ الإمامَ لم يَجُزِ العفوُ، وإنْ لم يَبلغْه جازَ العفوُ.

واختَلفَ قولُ مالكٍ في ذلكَ، فمرَّةً قالَ بقولِ الشافِعيِّ، ومرَّةً قالَ: يَجوزُ إذا لم يَبلغِ الإمامَ، وإنْ بلَغَ لم يَجُزْ، إلَّا أنْ يُريدَ بذلكَ المقذوفُ الستْرَ على نفسِه، وهو المَشهورُ عنه.

والسَّببُ في اختِلافِهم: هل هو حَقٌّ للهِ؟ أو حقٌّ للآدَميِّينَ؟ أو حقٌّ لكَليهِما؟ فمَن قالَ: «حقٌّ للهِ» لم يُجِزِ العفوَ، كالزنا، ومَن قالَ: «حقٌّ للآدَميِّينَ» أجازَ العفوَ، ومَن قالَ: «لكَليهِما» وغلَّبَ حقَّ الإمامِ إذا وصَلَ إليهِ قالَ بالفَرقِ بينَ أنْ يَصلَ الإمامَ أو لا يَصلَ، وقياسًا على الأثَرِ الواردِ في السَّرقةِ.

وعُمدةُ مَنْ رأى أنه حَقٌّ للآدميِّينَ -وهو الأظهَرُ- أنَّ المَقذوفَ إذا صدَّقَه فيما قذَفَه به سقَطَ عنه الحدُّ (٢).


(١) «الكافي» (٥٥٧)، و «البيان والتحصيل» (١٦/ ٢٩٠).
(٢) «بداية المجتهد» (٢/ ٣٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>