منه مَعنَى التَّصريحِ وإنْ كانَ صَريحُ هذا التَّعريضِ ضِدَّه، ولذلكَ أخبَرَ اللهُ تعالَى عن قومِ شُعيبٍ أنهم قالُوا: ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧)﴾ [هود: ٨٧]، وأرادُوا ضِدَّ ذلكَ، وهو الذي يُفيدُ عُرفُ التخاطُبِ؛ لأنَّا إذا رَأيْنا اثنَينِ يَتسابَّانِ وأحَدُهما يُقاتِلُ صاحِبَه ويَطلبُ أنْ يزريَ عليه ولا يَرضَى بمُقابلتِه على ما يُورِدُه إلا أنْ يُبالِغَ فيهِ، فقالَ أحَدُهما للآخَرِ:«يا زانٍ، أو أنَّ الأبعَدَ ابنُ زانيةٍ» فقابَلهُ بأنْ قالَ: «ما أنتَ بزانٍ، أو ما أمُّه إلا العَفيفةُ» الَّتي لا يعلمُ أنها زَنَتْ ولا اكتسَبَتْ فاحِشةً، وشُوهِدَ في وجهِه مِنْ الأماراتِ والعَلاماتِ ما يعلمُ معه أنَّ هذهِ غرضُه، أنَّ هذهِ أَدخلُ فيما رُميَتْ به الأُخرى منهُما، فيُعقَلُ ذلكَ مِنْ شاهِدِ الحالِ كما يُعقَلُ الفَرقُ بينَ قولِ القائلِ:«أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ» اعتِبارًا، وبينَ مَنْ يَقولُها تَعظيمًا، وبينَ أنْ يقولَها تعجُّبًا عندَ طُروءِ حادِثٍ، وبينَ أنْ يَقولَها في الأذانِ، أو حِكايةً لقَولِ قائِلٍ، ومَن دفَعَ هذا عُلمَ قَصدُه للمعانَدةِ فلا وجْهَ لكَلامِه، ولأنهُم قد وافَقُونا على أنه لو قالَ:«أردْتُ به القذفَ» أنه يكونُ قَذفًا، فلولا أنه يُعقَلُ منه وإلا لم يَكنْ له حُكمُ ذلكَ إلا بالإرادةِ.
قالَ ابنُ القيِّمِ ﵀: وقد صَحَّ عن عُمرَ مِنْ وُجوهٍ أنه حَدَّ في التعريضِ، فروَى مَعمرٌ عن الزُّهريِّ عن سالِمٍ عن أبيه «أنَّ عُمرَ كانَ يَحُدُّ في التعريضِ بالفاحِشةِ»، ورَوى ابنُ جُريجٍ عن ابنِ أبي مُليكةَ عن صَفوانَ وأيوبَ عن عُمرَ أنه حَدَّ في التعريضِ، وذكَرَ أبو عُمرَ «أنَّ عُثمانَ كانَ يَحُدُّ في