للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الليثُ بنُ سعدٍ: ما رأيْتُ أحَدًا ولا سَمعْتُ أنه يَردُّ حَدًّا أنْ يُقيمَه في أرضِ العَدوِّ قَديمًا ولا حَديثًا إذا وجَبَ على صاحِبه، وقالَ في الأُسارى مِنْ المُسلمينَ: يَجعَلونَ عليهِم رَجلًا منهِم يُقِيمُ الحدودَ فيهِم إذا خُلِّي بينَهُم وبينَ ذلكَ.

وقالَ أبو ثَورٍ: الدارُ لا تُحِلُّ شَيئًا ولا تُحرِّمُه، والزِّنا والسرقةُ والخَمرُ وجَميعُ ما حرَّمَ اللهُ حرامٌ عليهِم في دارِ الإسلامِ ودارِ الحَربِ، ويُحكَمُ على مَنْ أتَى شَيئًا مِنْ ذلكَ حُكمَ اللهِ في كلِّ دارٍ ومكانٍ كانَ ذلكَ منه، لا يَبطلُ حُكمُ اللهِ إلا بكِتابٍ أو سُنةٍ أو إجماعٍ (١).

وذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنه لا يُقامُ عليهِ الحدُّ ولو بعدَ رُجوعِه إلى دارِ الإسلامِ؛ لأنَّ الإمامَ لا يَقدرُ على إقامةِ الحُدودِ في دارِ الحَربِ لعدَمِ الوِلايةِ، ولا يُقامُ عليهِ بعدَ الرُّجوعِ إلى دارِ الإسلامِ؛ لأنَّ الفِعلَ لم يَقعْ مُوجِبًا أصلًا، وكذلكَ إذا قتَلَ مُسلمًا فيها لا يُؤخَذُ بالقِصاصِ وإنْ كانَ القَتلُ عَمدًا؛ لتَعذُّرِ الاستيفاءِ، ولأنَّ كونَه في دارِ الحَربِ أورَثَ شُبهةً في الوُجوبِ، والقِصاصُ لا يَجبُ مع الشُّبهةِ، ويَضمنُ الديَةَ وتكونُ في مالِه لا على العاقِلةِ؛ لأنَّ الدِّيةَ تَجبُ على القاتلِ ابتِداءٍ، ثمَّ العاقِلةُ تَتحمَّلُ عنه؛ لِمَا بينَهُم مِنْ التناصُرِ، ولا تَناصُرَ عندَ اختلافِ الدارِ (٢).


(١) «الأوسط» (١١/ ٢٧٨، ٢٨٠).
(٢) «المبسوط» (١٠/ ٧٥)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ١٣١، ١٣٢)، و «مختصر اختلاف العلماء» للطحاوي (٣/ ٤٧٣)، و «شرح فتح القدير» (٥/ ٢٦٦)، و «تبيين الحقائق» (٣/ ١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>