على السارقِ بالسَّرقةِ حينَ خرَجُوا إلينا، أيُقامُ الحدُّ على السارِقِ أم لا في قولِ مالكٍ؟ (قالَ): قالَ مالكٌ في الجَيشِ إذا كانوا في أرضِ الحَربِ: إنه يُقامُ على السارقِ الحَدُّ، فكذلكَ هؤلاءِ الذينَ دخَلُوا بأمانٍ، ولأنَّ مالِكًا لا يَلتفتُ إلى اختِلافِ الدارَينِ، وهَؤلاءِ مُسلمونَ مُقِرُّونَ بأحكامِ الإسلامِ لَيسُوا بمَنزلةِ المُشركينَ الذِينَ لا يُقِرُّونَ بأحكامِ المُسلمينَ، (قلتُ): وكذلكَ إنْ زَنَى في دارِ الحَربِ بعضُ هؤلاءِ التجَّارِ أو شَربَ الخَمرَ فشَهِدوا عليه بعدَ ما خرَجَ، أيُقيمُ عليهِ الإمامُ الحَدَّ؟ (قالَ): نعَمْ في رأيِي (١).
وقالَ الإمامُ ابنُ المُنذِرِ ﵀: قالَ الإمامُ الشافِعيُّ ﵀: إذا كانَ المُسلمونَ مُستأمنِينَ أو أسرَى في دارِ الحَربِ فقتَلَ بعضُهم بَعضًا أو زَنَوا بغيرِ حَربيةٍ فالحُكمُ عليهِم كما يَكونُ عليهِم في بلادِ الإسلامِ، وإنَّما يَسقطُ عنهُم لو زَنَى أحَدُهم بحَربيةٍ إذا ادَّعَى الشبهةَ، ولا تُسقِطُ دارُ الحربِ عنهُم فَرضًا، كما لا تُسقِطُ صَومًا ولا صلاةً ولا زكاةً، وإذا أصابَ الرَّجلُ حَدًّا وهو مُحاصِرٌ للعَدوِّ أُقيمَ عليهِ الحَدُّ، ولا يَمنعُنا الخَوفُ عليهِ مِنْ اللُّحوقِ بالمُشركينَ أنْ نُقيمَ حدَّ اللهِ تعالَى، ولو فعَلْنا تَوقِّيًا أنْ يَغضَب ما أَقمْنا عليهِ الحدَّ أبَدًا؛ لأنه يُمكِنُه مِنْ أيِّ مَوضعٍ أنْ يَلحقَ بدارِ الحربِ فيُعطَّلَ عنه حُكمُ اللهِ جَلَّ ثناؤُه ثمَّ حُكمُ رسولِ اللهِ ﷺ، وقد أقامَ رَسولُ اللهِ ﷺ الحَدَّ بالمَدينةِ والشِّركُ قَريبٌ منها وفيها شِركٌ كثيرٌ مِوادِعونَ، وضرَبَ الشارِبَ بحُنينٍ والشِّركُ قَريبٌ منه.