ولأنه مَنْ انتصَبَ خَصمًا في حادِثةٍ لم يَجُزْ أنْ يكونَ شاهِدًا فيها، أصلُه أولياءُ المَقتولِ، ولأنه لو شَهدَ على خِيانتِها له لم تُقبَلْ شَهادتُه عليها، أصلُه إذا شَهدَ عليها بإتلافِ وَديعةٍ له في يَدهِا، ولأنَّ كُلَّ مَنْ كانَ له تَصديقُ نَفسِه باللِّعانِ لم تُقبَلْ شَهادتُه فيما يَصحُّ فيه لِعانُه، أصلُه نَفيُ النَّسبِ، ولأنه قد صارَ عَدوًّا بما وتَرَه في نَفسِه وخانَتْه في حقِّه وأدخَلَتِ العارَ عليهِ وعلى ولَدِه، وهذا أبلَغُ في العَداوةِ مِنْ مُؤلِمِ الضربِ وفاحِشِ السَّبِّ، وشَهادةُ العدوِّ على عَدوِّه مَردودةٌ.
فإذا ثبَتَ أنَّ الزَّوجَ مَردودُ الشهادةِ فالشهودُ معه ثَلاثةٌ لا تَكتملُ بهِم البيِّنةُ في الزِّنا؛ لنُقصانِ عَددِهم، فهل يَصيرونَ قذَفةً يُحَدُّونَ أم لا؟ على قَولينِ:
أحَدُهما وهو أحَدُ قَولي الشافِعيةِ: لا يُحَدونَ؛ لأنهُم أَتَوا بلَفظِ الشهادةِ دُونَ القذفِ، لو كانُوا قذَفةً لَمَا جازَ قَبولُ شَهادتِهم مع كَمالِ عَددِهم.
والقَولُ الثَّاني وهو قَولُ المالِكيةِ والشافِعيةِ في قَولٍ والحَنابلةِ: يُحَدونَ؛ لأنهُم قد صارُوا بخُروجِهم مِنْ كَمالِ الشهادةِ قذَفةً؛ لإدخالِهِم المَعرَّةَ بالزنا كالقذفِ الصريحِ، ولأنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ ﵁ لمَّا شَهدَ عندَه بالزنا على المُغيرةِ بنِ شُعبةَ أبو بَكرةَ ونافعٌ وشِبلُ بنُ مَعبدٍ وتوقَّفَ زيادٌ عن الإفصاحِ بالشهادةِ أمَرَ عُمرُ بجَلدِ الثلاثةِ وجعَلَهم قذَفةً (١).
(١) «المدونة الكبرى» (٦/ ١١٧، ١١٨)، و «الحاوي الكبير» (١١/ ١٣٥، ١٣٦)، و «المهذب» (٢/ ٣٣٠)، و «شرح السنة» (٩/ ٢٥٤)، و «المبدع» (٩/ ٧٨)، و «كشاف القناع» (٦/ ١٢٩).