للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ كانَ بعدَ القَضاءِ قبلَ الإمضاءِ فإنهم يُحَدونَ جَميعًا عندَهما، وعندَ مُحمدٍ الراجِعُ خاصَّةً.

وجهُ قولِه: أنَّ كَلامَهم وقَعَ شَهادةً؛ لاتِّصالِ القَضاءِ به، فلا يَنقلبُ قَذفًا إلَّا بالرُّجوعِ، ولم يَرجعْ إلَّا واحدٌ منهُم، فيَنقلبُ كَلامُه خاصَّةً قذفًا، فلمْ يَصحَّ رُجوعُه في حقِّ الباقينَ، فبَقيَ كلامُهم شَهادةً فلا يُحدُّونَ.

ولهُمَا: أنَّ الإمضاءَ في بابِ الحُدودِ مِنْ القَضاءِ؛ بدَليلِ أنَّ عَمَى الشهودِ أو رِدَّتُهم قبْلَ القضاءِ كما يَمنعُ مِنْ القضاءِ فبعْدَه يَمنعُ مِنْ الإمضاءِ، فكانَ رُجوعُه قبلَ الإمضاءِ بمَنزلةِ رُجوعِه قبلَ القَضاءِ.

ولو رجَعَ قبْلَ القضاءِ يُحَدونَ جميعًا بلا خِلافٍ بينَ أصحابِنا الثلاثةِ، كذا إذا رجَعَ بعدَ القضاءِ قبلَ الإمضاءِ، وإنْ كانَ بعدَ الإمضاءِ فإنْ كانَ الحَدُّ جَلدًا يُحَدُّ الراجِعُ خاصةً بالإجماعِ؛ لأنَّ رُجوعَه صَحيحٌ في حقِّه خاصةً لا في حَقِّ الباقينَ، فانقلَبَتْ شَهادتُه خاصةً قذفًا، فيُحَدُّ خاصةً، وإنْ كانَ الحدُّ رَجمًا وماتَ المَقذوفُ يُحَدُّ الراجعُ عندَ أصحابِنا خِلافًا لزُفرَ (١).

وذهَبَ الحَنابلةُ في رِوايةٍ إلى أنه يُحَدُّ الثلاثةُ دونَ الراجعِ، وهذا اختيارُ أبي بَكرٍ وابنِ حامِدٍ؛ لأنه إذا رجَعَ قبْلَ الحدِّ فهوَ كالتائبِ قبلَ تَنفيذِ الحُكمِ بقولِه، فيَسقطُ عنه الحَدُّ، ولأنَّ في دَرءِ الحُكمِ عنهُ تَمكينًا له مِنْ الرُّجوعِ الذي يحصلُ به مَصلحةُ المَشهودِ عَليهِ، وفي إيجابِ الحَدِّ عليهِ زَجرٌ له عن


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٨٩)، ويُنظَر: «تحفة الفقهاء» (٣/ ٣٦٨)، و «شرح فتح القدير» (٥/ ٢٩٤)، و «المغني» (٩/ ٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>