للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهادتِه، كما لو لم يَرجعْ واحدٌ منهُم، ولأنَّ نُقصانَ العَددِ بعدَ كَمالِه لا يُوجِبُ حَدَّ مَنْ بقيَ، كما لو ماتَ بَعضُهم أو فسَقَ قبْلَ إقامةِ الحَدِّ (١).

وذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابلةُ في أصَحِّ الرِّوايتَينِ إلى أنَّ الشهودَ إذا رَجعُوا عن الشهادةِ أو واحدٌ منهُم فعَلى جَميعِهم الحَدُّ؛ لأنه نقَصَ العددُ بالرُّجوعِ قبْلَ إقامةِ الحَدِّ، فلَزمَهم الحدُّ كما لو شَهدَ ثلاثةٌ وامتَنعَ الرابعُ مِنْ الشهادةِ.

قالَ الإمامُ الكاسانِيُّ : إذا رجَعَ واحِدٌ منهم فإنْ كانَ قبْلَ القَضاءِ يُحَدونَ جَميعًا عندَ أصحابِنا الثلاثةِ، وعندَ زُفرَ يُحَدُّ الراجعُ خاصةً.

وجهُ قولِه أنَّ كَلامَهم وقَعَ شَهادةً قذفًا لكَمالِ نِصابِ الشَّهادةِ، وهو عَددُ الأربَعةِ، وإنما يَنقلبُ قَذفًا بالرُّجوعِ، ولم يُوجَدْ إلا مِنْ أحَدِهم، فيَنقلبُ كَلامُه قذفًا خاصةً، بخِلافِ ما إذا شَهدَ ثلاثةٌ بالزنا أنهم يُحَدونَ؛ لأنَّ هناكَ نِصابُ الشَّهادةِ لم يَكملْ، فوقَعَ كَلامُهم مِنْ الابتِداءِ قذفًا.

ولنَا: أنَّ كَلامَهم لا يَصيرُ شَهادةً إلا بقَرينةِ القَضاءِ، ألَا ترَى أنها لا تَصيرُ حُجَّةً إلا بهِ، فقبْلَه يكونُ قذفًا لا شهادةً، فكانَ يَنبغِي أنْ يُقامَ الحدُّ عليهِم بالنصِّ؛ لوُجودِ الرَّميِ منهُم، إلا أنه لا يُقامُ؛ لاحتِمالِ أنْ يَصيرَ شَهادةً بقَرينةِ القَضاءِ، ولئلَّا يُؤدِّي إلى سَدِّ بابِ الشهادةِ، فإذا رجَعَ أحَدُهم زالَ هذا المعنَى، فبَقيَ كَلامُهم قذفًا فيُحَدونَ، وصارَ كما لو كانَ الشُّهودُ مِنْ الابتداءِ ثلاثةً، فإنهم يُحدُّونَ؛ لوُقوعِ كَلامِهم قذفًا، كذا هذا.


(١) «الحاوي الكبير» (١٣/ ٢٣٥)، و «شرح فتح القدير» (٥/ ٢٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>