للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا فإنَّ كَذِبَهم ثابتٌ لا مَحالةَ؛ إمَّا في الشهادةِ أو الرُّجوعِ، ولا يَجوزُ الحُكمُ بشَهادةِ الكذابِ، ولا يَفسُقونَ برُجوعِهم إلَّا إنْ قالُوا: «تَعمَّدْنا شَهادةَ الزُّورِ» فيَفسقونَ.

قالَ الإمامُ العَمرانِيُّ : قالَ الشيخُ أبو حامِدٍ: وهو إجماعٌ، إلا ما حُكيَ عن أبي ثَورٍ أنه قالَ: (يُحكَمُ بشَهادتِهما؛ لأنَّ الشهادةَ قد حَصلَتْ، فلمْ تَبطلْ بالرُّجوعِ كما لو رَجعُوا بعدَ الحُكمِ).

وهذا خَطأٌ؛ لأنَّ الحاكِمَ إنما يَحكمُ بشَهادتِهم، فإنْ رَجعُوا .. لم تَبْقَ هناكَ شَهادةٌ يَحكمُ بها، ولأنَّ الحاكِمَ إنما يَجوزُ له أنْ يَحكمَ بشَهادةٍ يَغلبُ على ظنِّه صِدقُ شُهودِها، فإذا رَجعُوا عن الشهادةِ .. احتُملَ أنْ يكونُوا صادقِينَ في الشهادةِ كاذِبينَ في الرجوعِ، واحتُملَ أنْ يكونُوا كاذبِينَ في الشهادةِ وصادقِينَ في الرُّجوعِ، وذلكَ يُوقِعُ شَكًّا في شهادَتِهم، فلم يَجُزِ الحُكمُ بشَهادتِهم كما لو فَسقُوا بعدَ الشهادةِ وقبْلَ الحُكمِ بها (١).

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا هل يُقامُ على جَميعِهم حَدُّ القذفِ؟ أم على الرَّاجعِ وحْدَه؟ أم الثَّلاثةِ دونَ الراجعِ؟ وهل هُناكَ فَرقٌ بينَ الرُّجوعِ قبلَ الحُكمِ بالشَّهادةِ أم لا؟

فذهَبَ الشافِعيةُ وزُفرُ مِنْ الحَنفيةِ إلى أنه يُحَدُّ مِنْ الشُّهودِ الراجِعُ عن شَهادتِه؛ لاعتِرافِه بالقَذفِ؛ لأنه مُقِرٌّ على نَفسِه بالكذبِ في قذفِه، ولم يُحَدَّ مَنْ لم يَرجعْ عنها؛ لأنَّ مَنْ وجَبَ الحَدُّ بشَهادتِه لم يُحَدَّ إذا أقامَ على


(١) «البيان» (١٣/ ٣٩٢)، و «المهذب» (٢/ ٣٤٠)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٤١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>