للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداهُما: يَجبُ به الحدُّ، وبه قالَ زُفرُ، والوجهُ فيه ما ذكَرْنا.

والثانيةُ: لا حَدَّ عليه ويُعزَّرُ ويَجبُ عليه المَهرُ؛ لأنَّ السُّلطانَ لا يُمكِنُ مُغالَبتُه ولا التظلُّمُ منه إلى غيرِه، وفي البَزْدَويِّ الكَبير: إذا أكرَهَه السُّلطانُ على الزِّنا لا يسَعُه الإقدامُ عليهِ؛ لأنَّ فيه فَسادَ الفِراشِ وضَياعَ النَّسلِ، وذلكَ بمَنزلةِ القتلِ.

قولُه: (وقالَ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ: لا يَلزمُه الحَدُّ) ويُعزَّرُ، سواءٌ أكرَهَه السُّلطانُ أو غيرُه؛ لأنَّ الانتِشارَ مِنْ طَبعِ الإنسانِ، فيَحصلُ بغيرِ اختيارِه، ثم يُكرَهُ على المُواقَعةِ، فيَصحُّ الإكراهُ ويَسقطُ الحَدُّ ويَجبُ المَهرُ؛ لأنَّ الوطءَ في مِلكِ الغيرِ لا يَخلُو مِنْ حدٍّ أو مهرٍ، فإذا سقَطَ الحدُّ وجَبَ المَهرُ، ولا يَرجعُ به على الذي أكرَهَه، وإنْ أُكرِهَ عليه بحَبسٍ أو قَيدٍ أو ضَربٍ لا يَخافُ منه تلَفًا فليسَ له أنْ يَفعلَ، فإنْ فعَلَ فعَليه الحدُّ؛ لأنَّ الحبسَ والقيدَ إكراهٌ في الأموالِ والعُقودِ، فأما المَحظوراتُ فلا إكراهَ فيها إلا بما يَخافُ منه تلَفَ نَفسٍ أو عُضوٍ (١).

وذهَبَ المالِكيةُ في المَشهورِ والشافِعيةُ في مُقابِلِ الأصَحِّ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ عليه الحدَّ؛ لأنَّ الوطءَ لا يكونُ إلا بالانتِشارِ، والإكراهُ يُنافيهِ، فإذا وُجدَ الانتشارُ انتَفى الإكراهُ، فيَلزمُه الحدُّ كما لو أُكرِهَ على غيرِ الزِّنا فزَنَى (٢).


(١) «الجوهرة النيرة» (٦/ ٢٤٩، ٢٥٠).
(٢) «الحاوي الكبير» (١٣/ ٢٤١، ٢٤٢)، و «البيان» (١٢/ ٣٦٠)، و «المهذب» (٢/ ٢٦٧)، و «روضة الطالبين» (٦/ ٥٢٢)، و «النجم الوهاج» (٩/ ١٠٦)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٤٣٧)، و «تحفة المحتاج» (١٠/ ٧٠٤)، و «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٦/ ٣١٠)، وحاشية الصاوي (١٠/ ٢٥٢)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٣٣٩)، و «المغني» (٩/ ٥٧)، و «المبدع» (٩/ ٧٢)، و «كشاف القناع» (٦/ ١٢٤، ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>