للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا إذا تزوَّجَ مُسلمً بكِتابيةٍ فإنه لا يَصيرُ مُحصَنًا؛ لِما رُويَ أنَّ كَعبَ بنَ مالكٍ أرادَ أنْ يَتزوجَ يَهوديةً أو نَصرانيةً فقالَ له النبيُّ : «دَعْها عنكَ فإنها لا تُحصنُكَ» (١).

ولأنها حَصانةٌ مِنْ شَرطِها الحُريةُ، فوجَبَ أنْ يكونَ مِنْ شَرطِها الإسلامُ كالحَصانةِ في القَذفِ، ولأنَّ مَنْ لم يُحَدَّ قاذفُه لم يُرجَمْ كالعبدِ.

وإنما الواجِبُ في حَقِّ غيرِ المُسلمِ إذا زنَى الجَلدُ؛ لقولِه تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢]، أوجَبَ الجَلدَ على كلِّ زانٍ وزانيَةٍ أو على مُطلَقِ الزاني والزانيَةِ مِنْ غيرِ فَصلٍ بينَ المُؤمنِ والكافرِ، ومتى وجَبَ الجَلدُ انتَفى وُجوبُ الرجمِ ضَرورةً، ولأنَّ زِنا الكافرِ لا يُساوِي زِنا المُسلمِ في كونِه جِنايةً، فلا يُساويهِ في استِدعاءِ العُقوبةِ كزِنا البِكرِ مع زِنا الثيبِ.

وبَيانُ ذلكَ أنَّ زِنا المُسلمِ اختَصَّ بمَزيدِ قُبحٍ انتَفى ذلكَ في زِنا الكافرِ، وهو كَونُ زِناهُ وَضعُ الكُفرانِ في مَوضعِ الشُّكرِ؛ لأنَّ دِينَ الإسلامِ نِعمةُ ودينَ الكُفرِ ليسَ بنِعمةٍ.

وأما حَديثُ رَجمِ اليَهوديَّينِ فيُحتملُ أنه كانَ قبلَ نُزولِ آيةِ الجَلدِ فانتَسخَ بها، ويُحتملُ أنه كانَ بعدَ نُزولِها، ونَسخُ خبَرِ الواحدِ أهوَنُ مِنْ نَسخِ الكِتابِ العزيزِ (٢).


(١) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه سعيد بن منصور في «سننه» (٧١٥)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٨٧٥٢)، وأبو داود في «المراسيل» (٢٠٦).
(٢) «المبسوط» (٩/ ٣٩، ٤٠)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٨)، و «الاختيار» (٤/ ١٠٤)، و «تبيين الحقائق» (٣/ ١٧٢)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٣٣٣)، و «اللباب» (٢/ ٣٠١)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ١٩٧، ١٩٨) رقم (١٥٥٣)، والمقدمات الممهدات (٣/ ٢٤٩)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ٨١)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٣١٢، ٣١٣)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٣٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>