للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَتبيَّنُ بهذا أنَّ ما يُشترطُ لإقامةِ الرَّجمِ يُشترطُ بطَريقٍ هو نِعمةٌ، فكذلكَ اعتِقادُ الحُرمةِ يُشترطُ بطَريقٍ هو نِعمةٌ، وذلكَ بالإسلامِ، بل أَولى؛ لأنَّ أصلَ النِّعمةِ في الوَطءِ بمِلكِ اليَمينِ مَوجودٌ، إنما انعَدمَ نهايتُها، وأصلُ النِّعمةِ مُنعدمٍ هُنا فيما يَعتقدُه الكافرُ، وتأثيرُه أنَّ الجَريمةَ كما تَتغلَّظُ باجتِماعِ المَوانعِ تَتغلظُ باجتماعِ النِّعمِ، ولهذا هَدَّدَ اللهُ تعالى نِساءَ رَسولِ اللهِ و بضِعفِ ما هدَّدَ به غيرَهنَّ بقولِه تعالَى: ﴿يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ [الأحزاب: ٣٠]؛ لزِيادةِ النِّعمةِ عليهنَّ، وعُوتبَ الأنبياءُ عَليهِم الصَّلاةُ والسَّلامُ على الزلَّاتِ بما لم يُؤاخَذْ به غيرُهم؛ لزِيادةِ النِّعمةِ عليهِم، والحُرُّ يقامُ عليهِ الحدُّ الكامِلُ ولا يقامُ على العَبدِ؛ لزِيادةِ نِعمةِ الحُريةِ في حقِّ الحرِّ، فبَدنُ العَبدِ أكثرُ احتِمالًا للحدِّ مِنْ بَدنِ الحُرِّ، فعَرفْنا أنَّ بزِيادةِ النِّعمةِ يَزدادُ تَغليظُ الجَريمةِ؛ لِما في ارتكابِ الفاحِشةِ مِنْ كُفرانِ النعمةِ، فأما سائرُ الفَضائلِ إنَّما لا تُشترطُ؛ لأنَّ شرْطَ الحدِّ بالرأيِ لا يُمكِنُ إثباتُه.

ونَحنُ قُلنا: ما يَكونُ شَرطًا بالاتفاقِ لا يَنبغِي أنْ يُشترطَ بطَريقٍ هو نِعمةٌ؛ استِدلالًا بالثُّيوبةِ، فأما ما لم يُعرَفْ شَرطًا لو أثبَتْناهُ لَأثبَتْناهُ بالرأيِ ابتداءٍ، مع أنه إنما يُشترطُ في الإحصانِ ما يَنطلقُ عليه اسمُ الإحصانِ، وسائرُ الفَضائلِ لا يَنطلقُ عليه اسمُ الإحصانِ، وأما الإسلامُ فيُطلَقُ عليه اسمُ الإحصانِ في قولِه تعالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ [النور: ٤]، وقالَ تعالَى: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ﴾ [النساء: ٢٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>