للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستَدلُّوا على ذلكَ بما ثبَتَ أنَّ النبيَّ رجَمَ ماعِزًا الأسلَميَّ، ورجَمَ اليَهوديَّينِ، ورجَمَ امرأةً مِنْ جُهينةَ وامرأةً مِنْ عامِرٍ، ولم يَجلدْ أحدًا منهُم، وقالَ: «واغْدُ يا أُنيسُ إلى امرأةِ هذا، فإنِ اعتَرفَتْ فارجُمْها» مُتفَقٌ عليه، ولم يَأمرْه بجَلدِها، ولو كانَ الجَمعُ حَدًّا لَمَا ترَكَه، وكانَ هذا آخِرَ الأمرَينِ مِنْ رَسولِ اللهِ ، فوجَبَ تَقديمُه، فدَلَّ ذلكَ على أنَّ الآيةَ قُصدَ بها مَنْ لم يُحصنْ مِنْ الزُّناةِ.

ورجَمَ أبو بَكرٍ وعُمرُ ولم يَجلدَا.

وهذا كلُّه يَدلُّ على أنَّ حَديثَ عُبادةَ مَنسوخٌ؛ لأنه كانَ في حينِ نُزولِ الآيةِ في الزُّناةِ، وذلكَ أنَّ الزُّناةَ كانَتْ عُقوبتُهم إذا شَهدَ عليهِم أربَعةٌ مِنْ العُدولِ أنْ يُمسَكُوا في البُيوتِ إلى المَوتِ أو يَجعلَ اللهُ لهُنَّ سَبيلًا، فلمَّا نزَلَتْ آيةُ الجَلدِ التي في سُورةِ النورِ قامَ فقالَ: «خُذوا عنِّي قد جعَلَ اللهُ لهنَّ سَبيلًا» الحَديث، فكانَ هذا في أولِ الأمرِ، ثمَّ رجَمَ رسولُ اللهِ جَماعةً ولم يَجلدْ مع الرجمِ، فعَلِمْنا أنَّ هذا حُكمٌ أحدَثَه اللهُ تعالَى نسَخَ به ما قبلَه.

ومثلُ هذا كَثيرٌ في أحكامِه ﷿ وأحكامِ رَسولِ اللهِ ، ليَبتليَ عِبادَه وإنَّما يُؤخَذُ بالأحدَثِ فالأحدَثِ مِنْ أمرِهِ.

ومِن جِهةِ المعنَى أنَّ الحَدَّ الأصغرَ يَنطوِي في الحَدِّ الأكبَرِ؛ وذلكَ أنَّ الحَدَّ إنما وُضعَ للزَّجرِ، فلا تأثيرَ للجَلدِ هُنا.

ولأنه حَدٌّ فيه قَتلٌ، فلمْ يَجتمعْ معَه جَلدٌ كالرِّدةِ، ولأنَّ الحُدودَ إذا اجتمَعَتْ وفيها قَتلٌ سقَطَ ما سِواهُ، فالحَدُّ أَولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>