ولنا: إنَّ أكثَرَ الأحاديثِ على تَركِ الحَفرِ؛ فإنَّ النبيَّ ﷺ لم يَحفرْ للجُهنيةِ ولا لماعِزٍ ولا لليَهوديَّينِ، والحَديثُ الذي احتَجُّوا به غيرُ مَعمولٍ به ولا يَقولونَ به؛ فإنَّ التي نُقلَ عنه الحَفرُ لها ثبَتَ حَدُّها بإقرارِها، ولا خِلافَ بينَنا فيها، فلا يَسوغُ لهم الاحتِجاجُ به مع مُخالَفتِهم له.
إذا ثبَتَ هذا فإنَّ ثِيابَ المَرأةِ تُشَدُّ عليها كيلَا تَنكشفَ، وقد رَوى أبو داودَ بإسنادِه عن عِمرانَ بن حُصينٍ قالَ:«فأمَرَ بها النبيُّ ﷺ فشُدَّتْ عليها ثِيابُها»، ولأنَّ ذلكَ أستَرُ لها.
فصلٌ: والسُّنةُ أنْ يَدورَ الناسُ حَولَ المَرجومِ، فإنْ كانَ الزنا ثبَتَ ببيِّنةٍ فالسُّنةُ أنْ يَبدأَ الشُّهودُ بالرَّجمِ، وإنْ كانَ ثبَتَ بإقرارٍ بدَأَ به الإمامُ أو الحاكِمُ إنْ كانَ ثبَتَ عندَه ثم يَرجمُ الناسُ بعدَه، ورَوى سعيدٌ بإسنادِه عن عليٍّ ﵁ أنه قالَ:«الرَّجمُ رَجْمانِ، فما كانَ منه بإقرارٍ فأولُ مَنْ يَرجمُ الإمامُ ثم الناسُ، وما كانَ ببيِّنةٍ فأولُ مَنْ يَرجمُ البيِّنةُ ثم الناسُ»، ولأنَّ فِعلَ ذلكَ أبعَدُ لهم مِنْ التهمةِ في الكَذبِ عليه.
فإنْ هرَبَ منهُم وكانَ الحَدُّ ثبَتَ ببيِّنةٍ اتَّبعوهُ حتى يَقتلوهُ، وإنْ كانَ ثبَتَ بإقرارٍ تَركُوه؛ لِما رُويَ:«أنَّ ماعِزَ بنَ مالكٍ لمَّا وجَدَ مَسَّ الحِجارةِ خرَجَ يَشتدُّ، فلَقِيَه عبدُ اللهُ بنُ أُنيسٍ وقد عجَزَ أصحابُه، فنزَعَ له بوَظيفِ بَعيرٍ فرَماهُ به فقتَلَه، ثمَّ أتى النبيَّ ﷺ فذكَرَ ذلكَ له فقالَ: هلَّا تَركْتُموهُ يَتوبُ فيَتوبَ اللهُ عليهِ» رواهُ أبو داودَ، ولأنه يَحتملُ الرجوعَ، فيَسقطُ عنه الحَدُّ، فإنْ قتَلَه قاتلٌ في هَربِه فلا شيءَ عليه؛ لحَديثِ ابنِ أُنيسٍ حينَ قتَلَ ماعزًا،