وقالَ أبو حَنيفةَ ومالكٌ وأبو سُليمانَ: يُعيدُ الحَجَّ والعُمرةَ، واحتَجُّوا بقَولِ اللَّهِ تعالَى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: ٦٥] ما نَعلمُ لهم حُجَّةً غيرَها، ولا حُجَّةَ لهم فيها؛ لأنَّ اللَّهَ تعالَى لم يَقلْ فيها: لَئِنْ أشرَكتْ لَيَحبطَنَّ عَملُكَ الذي عَمِلتَ قبلَ أنْ تُشرِكَ، وهذه زِيادةٌ على اللَّهِ تعالى لا تَجوزُ، وإنما أخبَرَ تعالَى أنه يَحبطُ عَملُه بعدَ الشركِ إذا ماتَ أيضًا على شِركِه، لا إذا أسلَمَ، وهذا حَقٌّ بلا شَكٍّ.
ولو حَجَّ مُشرِكٌ أو اعتَمرَ أو صَلَّى أو صامَ أو زَكَّى لم يُجْزِه شيءٌ مِنْ ذلك عن الواجبِ، وأيضًا فإنَّ قولَه تعالى فيها: ﴿وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: ٦٥] بَيانٌ أنَّ المُرتدَّ إذا رجَعَ إلى الإسلامِ لم يَحبطْ ما عَملَ قبلُ في إسلامِه أصلًا، بل هو مَكتوبٌ له ومُجازًى عليه بالجَنةِ؛ لأنه لا خِلافَ بينَ أحَدٍ مِنْ الأمَّةِ -لا هُمْ ولا نحنُ- في أنَّ المُرتدَّ إذا راجَعَ الإسلامَ ليسَ مِنْ الخاسرِينَ، بل مِنْ المُربِحينَ المُفلحِينَ الفائزينَ.