فصحَّ أنَّ الذي يَحبطُ عَملُه هو المَيتُ على كُفرِه مُرتدًّا أو غيرَ مُرتدٍّ، وهذا هو مِنْ الخاسرينَ بلا شكٍّ، لا مَنْ أسلَمَ بعدَ كُفرِه أو راجَعَ الإسلامَ بعدَ ردَّتِه، وقالَ تعالَى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [البقرة: ٢١٧]، فصَحَّ نصُّ قَولِنا مِنْ أنه لا يَحبطُ عَملُه إنْ ارتَدَّ إلا بأنْ يَموتَ وهو كافرٌ.
ووجَدْنا اللَّهَ تعالَى يَقولُ: ﴿أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾ [آل عمران: ١٩٥]، وقالَ تعالَى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧)﴾ [الزلزلة: ٧]، وهذا عُمومٌ لا يَجوزُ تَخصيصُه، فصَحَّ أنَّ حَجَّه وعُمرَتَه إذا راجَعَ الإسلامَ سَيراهُما ولا يَضيعانِ له.
وروينَا مِنْ طُرقٍ كالشمسِ … عن عُروةَ بنِ الزُّبيرِ أنَّ حَكيمَ بنَ حِزامٍ أخبَرَه أنه قالَ لرَسولِ اللَّهِ ﵇:«أيْ رَسولَ اللَّهِ أرَأيتَ أمُورًا كُنْتُ أتَحنَّثُ بها في الجَاهِليةِ مِنْ صَدقةٍ أو عَتاقةٍ أو صِلةِ رَحمٍ، أفيها أجرٌ؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: أسلَمْتَ على ما أسلَفْتَ مِنْ خَيرٍ»(١)، قالَ أبو مُحمدٍ: فصَحَّ أنَّ المُرتدَّ إذا أسلَمَ والكافِرَ الذي لم يَكنْ أسلَمَ قطُّ إذا أسلَمَا فقدْ أسلَمَا على ما أسلَفَا مِنْ الخَيرِ، وقدْ كانَ المُرتدُّ إذا حَجَّ وهو مُسلمٌ قد أدَّى ما أُمِرَ به وما كُلِّفَ كما أُمرَ به فقدْ أسلَمَ الآنَ عليه، فهو له كما كانَ.
وأمَّا الكافرُ يَحجُّ كالصابِئينَ الذينَ يَرَونَ الحَجَّ إلى مَكةَ في دِينِهم فإنْ أسلَمَ بعدَ ذلكَ لم يُجْزِه؛ لأنه لم يُؤدِّه كما أمَرَ اللَّهُ تعالَى به؛ لأنَّ مِنْ فَرضِ