للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإطلاقُ في الآياتِ البَواقي لا يَمنعُ ذلك؛ لأنَّ كلَّ عُقوبةٍ مُرتَّبةٍ على كُفرٍ فإنها مَشروطةٌ بالمَوتِ عليه.

فإنْ قيلَ: التَّقييدُ في هذه الآيةِ بالموتِ على الكُفرِ إنما كانَ لأنه مُرتَّبٌ على شَيئينِ وهو: حُبوطُ العَملِ والخُلودُ في النارِ، والخُلودُ إنما يَستحِقُّه الكافرُ، وتلكَ الآياتُ إنما ذُكرَ فيها الحُبوطُ فقط، فعُلِمَ أنَّ مُجرَّدَ الرِّدةِ كافِيةٌ.

قُلنا: قولُه: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة: ٥] وقولُه تعالَى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: ٦٥] لا يَكونُ إلا لمَن ماتَ مُرتدًّا؛ لأنَّ الخاسِرينَ الذينَ خَسرُوا أنفُسَهم وأهلِيهِم يومَ القِيامةِ، وهذا ليسَ لمَن ماتَ على عَملٍ صالحٍ؛ لأنه إذا عادَ إلى الإسلامِ فقدْ غُفرَ له الارتِدادُ الماضي، لأنَّ التائِبَ مِنْ الذَّنبِ كمَن لا ذنْبَ له، وإذا زالَ الذَّنبُ زالَتْ عُقوباتُه ومُوجَباتُه، وحُبوطُ العَملِ مِنْ مُوجَباتِه، يُبيِّنُ هذا أنه لو كانَ فعَلَ في حالِ الرِّدةِ ما تَقتضِيه الرِّدةُ مِنْ شَتمٍ أو سبٍّ أو شِركٍ لم يَقُمْ عليه إذا أسلَمَ، ولأنَّ الكافرَ الحَربيَّ لو تَقرَّبَ إلى اللهِ بأشياءَ ثمَّ خُتمَ له بالإسلامِ لَكانتْ مَحسوبةً له؛ بدَليلِ ما رَوى حَكيمُ بنُ حِزامٍ، قالَ: «قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ أرَأيتَ أشياءَ كنتُ أتَحنَّثُ بها في الجاهِليةِ مِنْ صَدقةٍ أو عَتاقةٍ وصِلةِ رَحمٍ، فهلْ فيها مِنْ أجرٍ؟ فقالَ النبيُّ : «أسلَمْتَ على ما سلَفَ مِنْ خيرٍ» مُتفَقٌ عليهِ، فإذا كانَ الكُفرُ المُقارِنُ للعَملِ لا يُحبِطُ إلا بشَرطِ المَوتِ عَليهِ فإنهُ لا يُحبِطُ الكفرُ الطارِئُ إلا بشَرطِ المَوتِ أَحرَى وأَولى؛ لأنَّ بَقاءَ الشيءِ أَولى مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>