للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمْ يَتعيَّنْ أنَّ كلَّ واحدٍ مِنْ الشَّرطينِ شَرطٌ في الإحباطِ، فليسَتْ هاتانِ الآيَتانِ مِنْ بابِ حَملِ المُطلقِ على المُقيَّدِ، فتَأمَّلْ ذلكَ، فهوَ مِنْ أحسَنِ المَباحثِ سُؤالًا وجَوابًا (١).

وقالَ في «الذَّخيرَة»: وجَوابُه مِنْ وَجهينِ:

أحَدُهما: أنَّ القائِلَ لعَبدِه: «إنْ دخَلْتَ الدارَ فأنتَ حُرٌّ» ثمَّ قالَ له في وَقتٍ آخَرَ: «إنْ دخَلتَ الدارَ وكلَّمتَ زيداً فأنتَ حرٌّ»، فإنه يُعتقُ بالدُّخولِ وحْدَه اتِّفاقًا؛ لأنه جعَلَ لعَتقِه سَبيلينِ؛ لأنَّ الشروطَ اللُّغويةَ أسبابٌ، وقدْ وُجدَ أحدُهما، فتَرتَّبَ عليهِ الحُكمُ، وليسَ هذا مِنْ بابِ الإطلاقِ والتَّقييدِ.

وثانيهُما: سَلَّمْناه، ولكنَّ المُرتَّبَ على الرِّدةِ المُوافاةِ عليها أمرانِ: الحُبوطُ والخُلودُ، وتَرتيبُ شَيئينِ على شَيئينِ يَجوزُ أنْ يُفرَدَ أحَدُهما بأحَدِهما والآخرُ بالآخرِ، ويَجوزُ عَدمُ الاستِقلالِ، وليسَ أحَدُ الاحتِمالَينِ أَولى مِنْ الآخَرِ، فيَسقطُ الاستِدلالُ، بل الرَّاجحُ الاستِقلالُ؛ لأنَّ الأصلَ عَدمُ التَّركيبِ (٢).

وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ : وأمَّا حُبوطُ عَملِه بالرِّدةِ فقدْ منَعَ مِنْ ذلك بعضُ أصحابِنا وقالوا: الآياتُ فيمَن ماتَ على الرِّدةِ، بدليلِ قولِه تَعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٢١٧].


(١) «الفروق» (١/ ٣٤٠).
(٢) «الذخيرة» (٤/ ٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>