للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ والمالِكيةُ في قولٍ وابنُ حَزمٍ إلى أنه لا تَجبُ عليهِ حجَّةٌ أخرَى إذا أسلَمَ بعدَ الرِّدةِ؛ لقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٢١٧].

قالَ الإمامُ النَّوويُّ : فعلَّقَ الحُبوطَ بشَرطَينِ: الرِّدةِ والمَوتِ عليها، والمُعلَّقُ بشَرطَينِ لا يَثبتُ بأحَدِهما، والآيةُ التي احتَجُّوا بها مُطلَقةٌ، وهذه مُقيَّدةٌ، فيُحمَلُ المُطلَقُ على المُقيَّدِ (١).

لكنْ قالَ الإمامُ القَرافِيُّ : قالَ مالكٌ: مَنْ ارتَدَّ حَبطَ عَملُه، وقالَ الشافِعيُّ: لا يَحبطُ عَملُه إلا بالوَفاةِ على الكُفرِ؛ لأنَّ قولَه تَعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ١٥] وإنْ كانَ مُطلَقًا وتَمسَّكَ به مالكٌ على إطلاقِه غيرَ أنه قد ورَدَ مُقيَّدًا في قَولِه تعالَى في الآيةِ الأخرَى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٢١٧]، فيَجبُ حَملُ المُطلَقِ على المُقيَّدِ، فلا يَحبطُ العَملُ إلا بالوَفاةِ على الكفرِ.

والجَوابُ: أنَّ الآيةَ الثانِيةَ ليسَتْ مُقيِّدةً للآيةِ الأُولى؛ لأنها رتِّبَ فيها شَرطانِ وهُمَا: الحُبوطُ والخُلودُ على شَرطينِ وهُمَا: الرِّدةُ والوَفاةُ على الكفرِ، وإذا رتِّبَ مَشروطانِ على شَرطَينِ أمكَنَ التَّوزيعُ، فيَكونُ الحُبوطُ المُطلَقُ الرِّدةَ والخُلود لأجْلِ الوَفاةِ على الكُفرِ؛ فيَبقى المَطلقُ على إطلاقِه،


(١) «المَجموع» (٣/ ٦)، (٧/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>