للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلْفَه، وذلكَ لا يمتنعُ أنْ تكونَ صَلاتُه معَ العلمِ فاسِدةً لأمرَينِ: لِعَدمِ الطَّهارةِ، والاعتِقادِ، فإذا كانَ الإمامُ على الطَّهارةِ بَطلتْ صَلاتُه؛ للاعتِقادِ خاصَّةً، يُبيِّنُ ذلكَ أنَّ فِعلَ الطَّهارةِ في التَّأثيرِ في الصَّلاةِ أبلَغُ مِنْ الاعتِقادِ، فلا يَجوزُ أنْ يُعلَّقَ الحُكمُ بما دُونَ العِلتَينِ معَ وُجودِ أقواهُما، ولهذا مَنْ عَلِمَ بعَدمِ طَهارةِ نفْسِه لم تَجُزْ صَلاتُه؛ لفَقدِ الطَّهارةِ لا للاعتِقادِ (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالكيَّةُ والشَّافعيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ الإمامَ إذا صلَّى بالجَماعةِ مُحدِثًا، أو جُنُبًا غيرَ عالِمٍ بحَدثِه، فلم يَعلَم هو ولا المَأمُومونَ، حتى فَرَغوا مِنْ الصَّلاةِ، فصَلاتُهم صَحِيحةٌ، وصَلاةُ الإمامِ باطِلةٌ، لِإجماعِ الصَّحابةِ على ذلك؛ فإنَّه قد رُويَ أنَّ عمرَ : «صلَّى بِالنَّاسِ الصُّبحَ، ثم خرَج إلى الجُرُفِ، فَأَهرَقَ المَاءَ، فَوجدَ في ثَوبِه احتِلَامًا، فَأَعادَ، وَلَم يُعِيدُوا» (٢).

وعن مُحمدِ بنِ عَمرِو بنِ الحارِثِ الخُزاعِيِّ «أنَّ عُثمانَ صلَّى بالناسِ صَلاةَ الفَجرِ، فلمَّا أصبَحَ وارتَفَعَ النَّهارُ فإذا هو بأثَرِ الجَنابَةِ، فقالَ: كَبِرتُ وَاللَّهِ، كَبِرتُ وَاللَّهِ، فأَعادَ الصَّلاةَ، وَلَم يَأمُرهُم أَنْ يُعِيدُوا» (٣).


(١) «التجريد» للقدروي (٢/ ٧٢١، ٧٢٣)، و «الهداية» (١/ ٥٨)، و «البناية شرح الهداية» (٢/ ٣٦٨)، و «العناية» (٢/ ٩٧)، و «تبيين الحقائق» (١/ ١٤٤)، و «البحر الرائق» (١/ ٣٨٨).
(٢) رواه مالِك في «الموطأ» (٨٠، ٨١، ٨٢)، والشافعي في «الأم» (١/ ٨٠)، وفي «مسنده» (١/ ٣٤٣)، وعبد الرزاق (٢/ ٣٤٧)، والبيهقي في «الكبرى» (١/ ١٧٠)، وغيرهم.
(٣) رواه الدارقطني (١/ ٣٦٤)، والبيهقي في «الكبرى» (٢/ ٤٠٠) بإسناد صَحِيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>