للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الحنفيَّةُ إلى أنَّ مَنْ صلَّى خلْفَ جُنبٍ أو مُحدِثٍ وهوَ لا يَعلمُ لم تَصحَّ صَلاتُه، ويَلزمُه الإعادةُ؛ لأنَّ صَلاتَه مُرتبِطةٌ بصَلاةِ إمامِه، فإذا لم تكُن له صَلاةٌ لم تكُن له، ولِمَا رُويَ مَرفوعًا: «مَنْ أَمَّ قَومًا ثمَّ ظهَرَ أنهُ كانَ مُحدِثًا أو جُنبًا أعادَ صَلاتَه وأعادُوا» (١).

ولأنَّ كلَّ ما لا يَصحُّ الاقتداءُ به معَ العلمِ لا يَصحُّ معَ الجَهلِ، كالكافرِ والمَرأةِ، ولأنَّ كلَّ طَهارةٍ كانَتْ شَرطًا في صحَّةِ الصَّلاةِ استَوَى العلمُ والجَهلُ بها، كطَهارةِ نفْسِه.

ولأنَّ عدَمَ طَهارةِ الإمامِ أُجريَتْ مَجرَى عدمِ طَهارةِ المَأمومِ؛ بدَلالةِ أنَّه إنْ عَلِمَ بذلكَ لم تَجُزْ صَلاتُه، فإذا استَوَى في طَهارةِ نفْسِه العِلمُ والجَهلِ كذلكَ طَهارةُ إمامِه.

ولا يُقالُ: إنها بَطلَتْ صَلاتُه معَ العلمِ؛ لأنَّه يَعتقدُ أنَّ إمامَه في غَيرِ صَلاةٍ؛ ألَا ترَى أنهُ لوِ اعتَقدَ ذلكَ -والإمامُ على طَهارةٍ- لم تَصحَّ صَلاتُه


(١) قالَ الإمامُ الزَّيلعيُّ في «نَصْب الرَّايَة» (٢/ ٥٨): قُلتُ: غَريبٌ، وفيهِ أثَرٌ عن عليٍّ رواهُ مُحمدُ بنُ الحسَنِ في كتابهِ «الآثار»: أخبَرَنا إبراهيمُ بنُ يَزيدَ المكيِّ عن عَمرِو بنِ دينارٍ أنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ قالَ في الرَّجلِ يُصلِّي بالقومِ جُنبًا قالَ: «يُعيدُ ويُعيدونَ». انتَهى
أحادِيثُ البابِ: أخرَجَ الدَّارقطنيُّ والبَيهقيُّ عن أبي جابرٍ البيَاضيِّ عن سَعيدِ بنِ المُسيبِ «أنَّ النَّبيَّ صلَّى بالناسِ وهوَ جُنبٌ فأعادَ وأعادُوا». انتهى. قالَ الدَّارقطنيُّ: هذا مُرسَلٌ والبيَاضيُّ ضعيفٌ، وقالَ البَيهقيُّ: أبو جابرٍ البَياضيُّ مَتروكِ الحديثِ، كانَ مالكٌ لا يَرتضِيه، وكانَ ابنُ مَعينٍ يَرميهِ بالكذبِ، وقالَ الشَّافعيُّ: مَنْ روَى عنِ البيَاضيِّ بيَّضَ اللهُ عَينَيهِ. انتهى. قالَ النَّوويُّ في «الخُلاصَة»: لا يُعرَفُ إلا عنِ البيَاضيِّ، واجَتمَعوا على ضَعفِه، ورَماهُ ابنُ مَعينٍ بالكذبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>