للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصلٌ: وهل يُستتابُ الساحِرُ؟ فيه رِوايتانِ:

إحداهُما: لا يُستتابُ، وهو ظاهِرُ ما نُقلَ عن الصحابةِ؛ فإنه لم يُنقَلْ عن أحَدٍ منهُم أنه استَتابَ ساحِرًا، وفي الحَديثِ الذي رَواهُ هُشامُ بنُ عُروةَ عن أبيهِ عن عائِشةَ: «أنَّ الساحِرةَ سألَتْ أصحابَ النبيِّ وهم مُتوافرونَ هل لها مِنْ تَوبةٍ؟ فما أفتاها أحَدٌ، ولأنَّ السِّحرَ معنًى في قَلبِه لا يَزولُ بالتوبةِ، فيُشبهُ مَنْ لم يَتُبْ.

والرِّوايةُ الثانيةُ: يُستتابُ، فإنْ تابَ قُبِلتْ تَوبتُه؛ لأنه ليسَ بأعظَمَ مِنْ الشِّركِ، والمُشرِكُ يُستتابُ، ومَعرفتُه السِّحرَ لا تَمنعُ قَبولَ تَوبتِه؛ فإنَّ اللهَ تعالَى قَبِلَ تَوبةَ سَحرةِ فِرعونَ وجعَلَهم مِنْ أوليائِه في ساعةٍ، ولأنَّ الساحرَ لو كانَ كافِرًا فأسلَمَ صَحَّ إسلامُه وتَوبتُه، فإذا صحَّتِ التوبةُ منهُما صحَّتْ مِنْ أحَدِهما كالكُفرِ، ولأنَّ الكُفرَ والقتلَ إنما هو بعَملِه بالسِّحرِ لا بعِلمِه؛ بدَليلِ الساحرِ إذا أسلَمَ، والعَملُ به يُمكِنُ التوبةُ منه، وكذلكَ اعتِقادُ ما يَكفرُ باعتقادِه يُمكِنُ التوبةُ منه كالشِّركِ.

وهاتانِ الرِّوايتانِ في ثُبوتِ حُكمِ التوبةِ في الدنيا مِنْ سُقوطِ القَتلِ ونحوِه، فأما فيما بينَه وبينَ اللهِ تعالى وسُقوطُ عُقوبةِ الدارِ الآخرةِ عنه فتَصحُّ؛ فإنَّ اللهَ تعالى لم يَسُدَّ بابَ التوبةِ عن أحَدٍ مِنْ خَلقِه، ومَن تابَ إلى اللهِ قَبِلَ توبتَه، لا نَعلمُ في هذا خِلافًا.

فصلٌ: والسحرُ الذي ذكَرْنا حُكمَه هو الذي يُعَدُّ في العُرفِ سِحرًا، مثلَ فِعلِ لَبيدِ بنِ الأعصَمِ حينَ سحَرَ النبيَّ في مُشطٍ ومُشاطةٍ، وروينَا في مَغازِي الأمَويِّ أنَّ النجاشيَّ دعَا السواحِرَ فنَفخْنَ في إحليلِ عُمارةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>