للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَصٌّ، ورُويَ «أنَّ رَجلًا قَدِمَ على عُمرَ بنِ الخطَّابِ مِنْ قِبَلِ أبي مُوسَى الأشعَريِّ، فقالَ له عُمرُ بنُ الخطَّابِ: هل كانَ فيكُم مِنْ مُغَرِّبةِ خبَرٍ؟ فقالَ: نعمْ، رَجلٌ كفَرَ بعدَ إسلامِه فقَتلْناهُ، فقالَ عُمرُ: هلَّا حَبسْتموهُ ثلاثًا وأطعَمتُموهُ في كلِّ يَومٍ رَغيفًا واستَتَبتُموهُ لعلَّه يُتوبُ، اللَّهمَّ لم أحضُرْ ولم آمُرْ .. ولم أرْضَ إذْ بلَغَني، اللهمَّ إني أبرَأُ إليكَ مِنْ دَمِه».

ورُويَ أنَّ ابنَ مَسعودٍ كتَبَ إلى عُثمانَ في قَومٍ ارتَدُّوا، فكَتبَ إليه عُثمانُ: «ادعُهُم إلى دِينِ الحَقِّ وشَهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، فإنْ أجابُوا فخَلِّ سَبيلَهم، وإنِ امتَنَعوا فاقتُلْهم، فأجابَ بعضُهم فخَلَّا سَبيلَه، وامتَنعَ بعضُهم فقَتلَه».

ولأنَّ الأغلَبَ مِنْ حُدوثِ الرِّدةِ أنه لاعتِراضِ شُبهةٍ، فلمْ يَجُزِ الإقدامُ على القتلِ قبلَ كَشفِها والاستِتابةِ منها، كأهلِ الحَربِ لا يَجوزُ قَتلُهم إلا بعدَ بُلوغِ الدَّعوةِ وإظهارِ المُعجِزةِ، فأما الخبَرُ فلا يَمنعُ مِنْ الاستِتابةِ، وأما الزِّنا فالتوبةُ لا تُزيلُه، وهي تُزيلُ الرِّدةَ، فلذلكَ استُتيبَ مِنْ الرِّدةِ ولم يُستَتبْ مِنْ الزنا.

فإذا ثبَتَ الأمرُ باستِتابتِه قبلَ قَتلِه ففيها قَولانِ:

أحَدُهما وهو قَولُ أبي حَنيفةَ واختِيارُ أبي عليٍّ ابنِ أبي هُريرةَ: أنها مُستحَبةٌ وليسَتْ بواجِبةٍ؛ لأنَّ وُجوبَ الاستِتابةِ يُوجِبُ حظْرَ دَمِه قبلَها، وهو غيرُ مَضمونِ الدمِّ لو قُتلَ قبلَها، فدَلَّ على استِحبابِها.

والقَولُ الثاني وهو أصَحُّ: أنَّ الاستِتابةَ واجبةٌ؛ لِمَا قَدَّمناهُ مِنْ الخبَرِ والأثَرِ، ولأنَّ الاستِتابةَ في حَقِّ المُرتدِّ في حُكمِ إبلاغِ الدَّعوةِ لأهلِ الحَربِ، وإبلاغُ

<<  <  ج: ص:  >  >>