للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّعوةِ واجبةٌ، فكذلكَ الاستِتابةُ، ولأنَّ المَقصودَ بقَتلِ المُرتدِّ إقلاعُه عن رِدتِه، والاستِتابةُ أخَصُّ بالإقلاعِ عنها مِنْ القَتلِ، فاقتَضَى أنْ تكونَ أوجَبَ منه.

فإذا تقرَّرَ حُكمُ الاستِتابةِ في الوُجوبِ والاستِحبابِ، فهل يُعجَّلُ قتلُه عندَ الامتناعِ مِنْ التَّوبةِ؟ أو يُؤجَّلُ ثلاثةَ أيامٍ؟ فيه قَولانِ:

أحَدُهما وهو اختِيارُ المُزنِيِّ: أنه يُعجَّلُ قتلُه ولا يُؤجَّلُ، وبه قالَ أبو حَنيفةَ، إلا أنْ يَسألَ الإنظارَ فيُؤجَّلُ ثلاثًا؛ لقَولِ النبيِّ : «مَنْ بدَّلَ دِينَه فاقتُلوهُ»، ولأنه حَدٌّ، فلمْ يُؤجَّلْ فيه كسائرِ الحُدودِ.

والقَولُ الثاني: يُؤجَّلُ ثلاثةَ أيامٍ، وبه قالَ أحمَدُ بنُ حَنبلٍ وإسحاقُ بنُ رَاهويهِ، وقالَ سُفيانُ الثَّوريُّ: يُنظَرُ ما كانَ يَرجو التوبةَ، ودَليلُ تَأجيلِه ثلاثًا قَولُ عُمرَ حينَ أُخبِرَ بقَتلِ المُرتدِّ: «هلَّا حَبستُموهُ ثلاثًا، اللهمَّ لم أحضُرْ ولم آمُرْ» .. الخبَرُ، ولأنَّ اللهَ قضَى بعَذابِ قَومٍ ثمَّ أنظَرَهم ثَلاثًا فقال: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥)[هود: ٦٥]، ولأنَّ المَقصودَ منهُ استِبصارُه في الدِّينِ ورُجوعُه إلى الحَقِّ، وذلكَ ممَّا يَحتاجُ فيه إلى الارتياءِ والفِكرِ، فأُمهِلَ بما يُقدَّرُ في الشرعِ مِنْ مُدةِ أقلِّ الكَثيرِ وأكثَرِ القَليلِ، وذلكَ ثَلاثةُ أيامٍ.

فعلى هذا: في تَأجيلِه بهذه الثَّلاثِ قَولانِ:

أحَدُهما: أنها مُستحَبةٌ إنْ قيلَ: إنَّ الاستِتابةَ مُستحَبةٌ.

والثَّاني: أنها واجِبةٌ إنْ قيلَ: إنَّ الاستِتابةَ واجِبةٌ (١).


(١) «الحاوي الكبير» (١٣/ ١٥٨، ١٦٠)، و «البيان» (١٢/ ٤٢، ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>