للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورُويَ عن أحمَدَ رِوايةٌ أخرى أنه لا تَجبُ استِتابتُه، لكنْ تُستحَبُّ، وهذا القَولُ الثاني للشافِعيِّ، وهو قَولُ عُبيدِ بنِ عُميرٍ وطاوُسٍ، ويُروى ذلكَ عن الحَسنِ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ بطَّالٍ : اختَلفَ العُلماءُ في استِتابةِ المُرتدِّ، فرُويَ عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ وعُثمانَ وعليٍّ وابنِ مَسعودٍ أنه يُستتابُ، فإنْ تابَ وإلا قُتلَ، وهو قولُ أكثَرِ العُلماءِ.

وقالَتْ طائِفةٌ: لا يُستتابُ، ويَجبُ قتلُه حينَ يَرتدُّ في الحالِ، رُويَ ذلك عن الحَسنِ البَصريِّ وطاوُسٍ، وذكَرَه الطحَاويُّ عن أبي يُوسفَ، وبه قالَ أهلُ الظاهِرِ، واحتَجُّوا بقَولِه : «مَنْ بدَّلَ دِينَه فاقتُلوهُ»، قالُوا: ولم يَذكرْ فيه استِتابةً، وكذلكَ حَديثُ معاذٍ وأبي مُوسَى قَتَلوا المُرتدَّ بغيرِ استِتابةٍ.

قالَ الطَّحاويُّ: جعَلَ أهلُ هذهِ المَقالةِ حُكمَ المُرتدِّ حُكمَ الحَربيينَ إذا بلَغَتْهم الدَّعوةُ، أنه يَجبُ قِتالُهم دونَ أنْ يُؤذَنُوا، قالَ: وإنما تَجبُ الاستِتابةُ لمَن خرَجَ عن الإسلامِ لا عن بَصيرةٍ منه، فأمَّا إنْ خرَجَ منه عن بَصيرةٍ فإنهُ يُقتلُ دُونَ استتابةٍ.

قالَ أبو يُوسفَ: إنْ بدَرَ بالتَّوبةِ خَلَّيتُ سَبيلَه ووَكَلتُ أمْرَه إلى اللهِ تعالَى.

قالَ ابنُ القصَّارِ: والدليلُ على أنه يُستتابُ الإجماعُ؛ وذلكَ أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ قالَ في المُرتدِّ: «هلَّا حَبسْتموهُ ثلاثةَ أيامٍ وأطعَمْتموهُ كلَّ يَومٍ رَغيفًا


(١) «المغني» (٩/ ١٧)، و «شرح مسلم» للنووي (١٢/ ٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>