بُلوغِ الدعوةِ غيرُ واجِبٍ، ولكنْ يُكرَهُ له ذلكَ؛ لِمَا فيه مِنْ تَركِ الغَرضِ المُستحَبِّ، ولِمَا فيه مِنْ الافتِياتِ على الإمامِ (١).
القَولُ الثاني: إنه يُستتابُ وُجوبًا، فإنْ تابَ وإلا قُتلَ، وهو قَولُ جُمهورِ العُلماءِ الحَنفيةِ في قَولٍ والمالِكيةِ والشافِعيةِ في المَذهبِ والحَنابلةِ في المَذهبِ، ورُوي ذلكَ عن عُمرَ وعُثمانَ وعَليٍّ ﵃، وبه قالَ عطاءٌ والنخَعيُّ والثَّوريُّ والأوزاعيُّ وإسحاقُ وغيرُهم.
والدليلُ على هذا قَولُه تعالَى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]. مع ما دَلَّ عليهِ مَفهومُ الخبَرِ، وأنَّ القتلَ إنما وجَبَ بحالٍ، فإذا تابَ وراجَعَ الإسلامَ ارتَفعَ حُكمُ القَتلِ كالكافرِ الأصليِّ، وقولُ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال: ٣٨]، وهو يَعُمُّ كلَّ كافرٍ كانَ منه إيمانٌ قبلَ ذلكَ أو لم يكنْ.
وقولُه تعالَى في المُنافقِينَ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (١٤٦) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (١٤٧)﴾ [النساء: ١٤٦ - ١٤٧]، والمُنافِقونَ ممَّن آمَنَ ثمَّ كفَرَ.
قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: لا يُقتلُ حتى يُستتابَ ثَلاثًا، هذا قولُ أكثرِ أهلِ العِلمِ، منهُم عُمرُ وعليٌّ وعطاءٌ والنخَعيُّ ومالِكٌ والثَّوريُّ والأوزاعيُّ وإسحاقُ وأصحابُ الرأيِ، وهو أحَدُ قولَي الشافِعيِّ.
(١) «مختصر اختلاف العلماء» (٣/ ٥٠١)، و «الاختيار» (٤/ ١٧٨، ١٧٩)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٢٨، ٣٢٩)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٣٦٤)، و «اللباب» (٢/ ٥٥٩، ٥٦٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute