للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آلهَتَهم بخَيرٍ ثم تَركُوهُ، فلمَّا أتَى رسولَ اللهِ قالَ: ما وَراءَكَ؟ قالَ: شَرٌّ يا رَسولَ اللهِ، ما تُركْتُ حتى نِلتُ منكَ وذكَرتُ آلهَتَهم بخَيرٍ، قالَ: كيفَ تَجدُ قلبَكَ؟ قالَ: مَطمئنٌّ بالإيمانِ، قالَ: إنْ عَادُوا فعُدْ» (١).

وهذا أصلٌ في جَوازِ إظهارِ كَلمةِ الكُفرِ في حالِ الإكراهِ، والإكراهُ المُبيحُ لذلكَ هو أنْ يَخافَ على نَفسِه أو بَعضِ أعضائِه التلفَ إنْ لم يَفعلْ ما أمرَهَ به، فأُبيحَ له في هذهِ الحالِ أنْ يُظهِرَ كلمةَ الكُفرِ (٢).

قالَ الإمامُ ابنُ بطَّالٍ : أجمَعَ العُلماءُ على أنَّ مَنْ أُكرِهَ على الكُفرِ حتَّى خَشيَ على نفسِه القتلَ أنه لا إثمَ عليهِ إنْ كفَرَ وقلبُه مُطمئنٌّ بالإيمانِ، ولا تَبِينُ منه زَوجتُه، ولا يُحكمُ عليه بحُكمِ الكُفرِ، هذا قولُ مالكٍ والكُوفيينَ والشافعيِّ، غيرِ مُحمدِ بنِ الحَسنِ فإنه قالَ: «إذا أظهَرَ الشِّركَ كانَ مُرتدًّا في الظاهرِ، وهو فيما بينَه وبينَ اللهِ على الإسلامِ، وتَبِينُ منه امرأتُه، ولا يُصلَّى عليهِ إنْ ماتَ، ولا يَرثُ أباه إنْ ماتَ مُسلمًا»، وهذا قولٌ تُغنِي حِكايتُه عن الرَّدِّ عليه؛ لمُخالَفتِه للآياتِ المَذكورةِ في أولِ هذا البابِ.

وقالَتْ طائفةٌ: إنما جازَتِ الرُّخصةُ في القولِ، وأما في الفعلِ فلا رُخصةَ فيه، مثلَ أنْ يُكرِهوهُ على السجودِ لغيرِ اللهِ، أو الصلاةِ لغيرِ القِبلةِ، أو قَتلِ مُسلمٍ أو ضَربِه أو أكلِ مالِه، أو الزنا، أو شُربِ الخَمرِ وأكلِ الخِنزيرِ، رُويَ


(١) رواه الحاكم في «المستدرك» (٣٣٦٢)، وقالَ: صَحيحٌ على شَرطِ الشَّيخَينِ ولم يُخرِّجاهُ.
(٢) «أحكام القرآن» (٥/ ١٣)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ١٣٤)، و «البحر الرائق» (٥/ ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>