للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنه تَصحُّ رِدةُ السَّكرانِ؛ لأنَّ هذا إجماعُ الصَّحابةِ أنهُم قالُوا بتَكليفِ السَّكرانِ، فقد رُويَ «أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ شاوَرَ الصَّحابةَ في حَدِّ الخَمرِ، وقالَ: أرَى الناسَ قد تَهافَتوا واستَهانُوا بحَدِّه فماذا تَرَونَ؟ فقالَ عليُّ بنُ أبي طالِبٍ : أرَى أنْ يُحَدَّ ثَمانينَ؛ لأنه إذا شَربَ سَكِرَ، وإذا سَكرَ هَذى، وإذا هَذى افتَرى، فيُحدُّ حَدَّ المُفتَري، فوافَقَه عُمرُ والصَّحابةُ على هَذا، وحَدُّوهُ حَدَّ المُفتري ثَمانينَ»، وجَعَلوا ما تَلفَّظَ به في السُّكرِ افتِراءً يَتعلقُ به حَدٌّ وتَعزيرٌ، وذلكَ مِنْ أحكامِ التكليفِ، ولو كانَ غيرَ مُكلَّفٍ لَكانَ كَلامُه لغوًا وافتِراؤُه مُطرحًا.

ولأنَّ الصلاةَ واجِبةٌ عليه، وكذلكَ سائرُ أركانِ الإسلامِ، ويَأثمُ بفِعلِ المُحرَّماتِ، وهذا معنَى التكليفِ، ولأنَّ السكرانَ لا يَزولُ عَقلُه بالكلَّيةِ، ولهذا يَتَّقي المَحذوراتِ ويَفرحُ بما يَسرُّه ويُساءُ بما يَضرُّه، ويَزولُ سُكرُه عن قُربٍ مِنْ الزمانِ، فأشبَهَ الناعِسَ، بخِلافِ النائمِ والمَجنونِ.

وإذا صَحَّ تكليفُه صَحَّ إسلامُه ورِدتُه، ولأنَّ مَنْ صَحَّ عِتقُه وطلاقُه صحَّتْ ردَّتُه وإسلامُه كالصاحي، ولأنَّ الردَّةَ والإسلامَ لفظٌ يَتعلقُ به الفُرقةُ، فوجَبَ أنْ تَصحَّ مِنْ السَّكرانِ كالطلاقِ.

فأما الجَوابُ عن بأنه لا اعتِقادَ له: فهو أنه يَجري في أحكامِ التَّكليفِ مَجرَى مَنْ له اعتِقادٌ وتَمييزٌ، ولذلكَ وقَعَ طلاقُه وظِهارُه، ولو عدمَ التَّميِيز ما وقَعَا كالمَجنونِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>