قالَ -أي: ابنُ قُدامةَ ﵀ -: ولَنا: قولُ النَّبيِّ ﷺ: «لَا تَؤُمَّنَّ امرَأَةٌ رَجلًا»، ولأنَّها لا تُؤَذِّنُ لِلرِّجالِ، فلم يَجُز أن تؤُمَّهم، كالمَجنونِ، وحَديثُ أُمِّ وَرقةَ إنَّما أذِنَ لها أن تَؤُمَّ نِساءَ أهلِ دارِها. كذا رَواهُ الدَّارقُطنيُّ، وهذه زِيادةٌ يجبُ قَبولُها، ولو لم يَذكُر ذلك لتَعيَّن حَملُ الخَبرِ عليه؛ لأنَّه أذِنَ لها أن تَؤُمَّ في الفرائِضِ، بدَليلِ أنَّه جعلَ لها مُؤذِّنًا، والأذانُ إنَّما يُشرعُ في الفَرائِضِ، ولا خِلافَ في أنَّها لا تَؤُمُّهم في الفَرائِضِ، ولأنَّ تَخصيصَ ذلك بالتَّراويحِ، واشتِراطَ تأخُّرِها، تَحكُّمٌ يُخالِفُ الأُصولَ بغيرِ دَليلٍ، فلا يَجوزُ المَصيرُ إليه، ولو قُدِّرَ ثُبوتُ ذلك لِأُمِّ وَرَقةَ لكان خاصًّا بها (١).
وقالَ الزَّركشيُّ ﵀:(وأمَّا المَرأةُ) فلا يَجوزُ أن تَؤُمَّ رَجلًا، ولا خُنثَى مُشكِلًا؛ لمَا رَوى جابِرٌ عن النَّبيِّ ﷺ قالَ:«لَا تَؤُمَّنَّ امرَأَةٌ رَجلًا»، رَواهُ ابنُ ماجه، والخُنثَى يَحتَمِلُ أن يَكونَ رَجلًا، ويَصحُّ أن يَؤُمَّ المَرأةَ، كما نصَّ عليه الخرقِيُّ بَعدُ.
وكَلامُه يَشمَلُ الفَرضَ والنَّفلَ، ولا نِزاعَ في الفَرضِ، أمَّا في النَّفلِ فظاهرُ كَلامِ الخرقِيِّ أيضًا المَنعُ، وهو رِوايةٌ حَكاها ابنُ أبي موسى، وهو اختِيارُ أبي الخطَّابِ وأبي مُحمدٍ، عمَلًا بإطلاقِ الحَديثِ، ومَنصوصُ أحمدَ في
(١) «المغني» (٢/ ٤١٤)، و «المبدع» (٢/ ٧٢)، و «الإنصاف» (٢/ ٢٦٣، ٢٦٤)، و «كشاف القناع» (١/ ٤٧٩)، و «الفتاوى الهندية» (١/ ٥٨)، و «مجموع الفتاوى» (٢٣/ ٢٤٨)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٩٢)، و «الفواكه الدواني» (١/ ٢٠٥)، و «شرح مختصر خليل» (٢/ ٢٢)، و «بداية المجتهد» (١/ ٢٠٤)، و «المجموع» (٥/ ٣٣٨)، و «الإفصاح» (١/ ٢١٠)، و «كفاية الأخيار» (١٨٠)، و «مراتب الإجماع» لابن حزم (٢٧).