للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجعَلَ الوليَّ مُخيَّرًا بينَ القَودِ والدِّيةِ، وهذا نَصٌّ.

ورَوى أبو هُريرةَ قالَ: قامَ رَسولُ اللهِ فقالَ: «ومَن قُتلَ له قَتيلٌ فهو بخَيرِ النَّظرينِ: إما يُؤديَ وإما أنْ يُقادَ» (١).

ولأنَّ القَودَ قد يَسقطُ بعَفوِ الوليِّ إذا كانَ واحِدًا، ويَعفُو أحَدُهم إذا كانُوا جَماعةً، ثمَّ ثبَتَ أنَّ سُقوطَه بعَفوِ أحَدِهم مُوجِبٌ للديةِ بغيرِ مُراضاةٍ، فكذلكَ يَكونُ وُجوبُها بعَفوِ جَميعِهم.

وتَحريرُه قِياسًا: أنه قَودٌ سقَطَ بالعفوِ عنه، فلَم تَقفِ الدِّيةُ فيه على مُراضاةٍ كما لو عَفَا عنه أحَدُهم، ولأنَّ للقتلِ بَدلينِ، وأغلَظُهما القَودُ وأخَفُّهما الديةُ، فلمَّا ملَكَ القودَ الأغلَظَ بغيرِ مُراضاةٍ كانَ بأنْ يَملكَ الديَةَ الأخفَّ بغيرِ مُراضاةٍ أَولى، ولأنَّ قتْلَ العَمدِ أغلَظُ وقتْلَ الخَطأِ أخَفُّ، فلمَّا ملَكَ الديَةَ في أخفِّهِما فأَولى أنْ يَملكَها في أغلَظِهما.

ولأنَّ للنَّفسِ بَدلينِ القَودَ والديَةَ، فلا يُستحقُّ على وَليِّ الدمِ الاقتِصارُ على أحَدِهما.

ولمَن وجَبَ له القِصاصُ الصُّلحُ على أكثَرَ مِنْ الديةِ.

ولو عَفَا الوليُّ عن القِصاصِ تَعيَّنتِ الديةُ عندَ الشافِعيةِ والحَنابلةِ.

ومتَى اختارَ الوليُّ الديَةَ تَعيَّنتْ وسقَطَ القِصاصُ عندَ الشافِعيةِ في المَذهبِ والحَنابلةِ، قالَ أحمَدُ: إذا أخَذَ الديةَ فقدْ عفَا عن الدَّمِ ولا يَملكُ


(١) أخرجه البخاري (١١٢)، ومسلم (١٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>