للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ القِصاصَ متى تَعذَّرَ استِيفاؤُه مِنْ قِبلِ مَنْ له القِصاصُ لا يَنقلبُ نَصيبُه مالًا، ومتى تَعذَّرَ مِنْ جِهةِ مَنْ عليهِ القِصاصُ يَنقلبُ نَصيبُه مالًا، ثمَّ نَصيبُ العافي لا يَنقلبُ مالًا؛ لأنَّ الاستِيفاءَ تَعذَّرَ مِنْ جِهتِه، ونَصيبُ الذي لمْ يَعْفُ يَنقلبُ مالًا؛ لأنه تَعذَّرَ الاستِيفاءُ مِنْ جِهةِ غَيرِه (١).

وذهَبَ المالِكيةُ في قَولٍ الشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ قتْلَ العَمدِ مُوجبٌ للقَودِ، ولوَليِّ المقتولِ أنْ يَعفوَ عنه إلى الدِّيةِ، ولا يَفتقرُ إلى مُراضاةِ القاتلِ، فيُطالبُه بأخذِ الدِّيةِ ولو لم يَرْضَ الجاني؛ لقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: ١٧٨]، معناهُ: فمَن عَفَا له عن القِصاصِ فلْيَتبعِ الوليُّ الديةَ بمَعروفٍ، ويُؤدِّيها القاتلُ بإحسانٍ، فجعَلَ للوليِّ الاتباعَ، وعلى القاتِلِ الأداءَ، فلمَّا تفرَّدَ القاتلُ بالأداءِ وجَبَ أنْ يَنفردَ الوليُّ بالاتباعِ ولا يَقفَ على المُراضاةِ.

وعن أبي شُريحٍ الكَعبيِّ أنَّ رَسولَ اللهِ قالَ: « … إنَّكُم مَعشرَ خُزاعةَ قتَلتُم هذا الرَّجلَ مِنْ هُذَيلٍ، وإنِّي عاقِلُه، فمَن قُتلَ له قَتيلٌ بعدَ اليَومِ فأهلُه بينَ خِيرَتينِ: إمَّا أنْ يَقتلُوا أو يَأخذُوا العَقلَ» (٢).


(١) «مختصر اختلاف العلماء» (٥/ ١٧١، ١٧٤)، و «شرح معاني الآثار» (٣/ ١٧٤، ١٧٨)، و «الاختيار» (٥/ ٢٩، ٣٠)، و «الاستذكار» (٨/ ٤٨، ٤٩)، و «المعونة» (٢/ ٢٥٣، ٢٥٤)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٩٤، ٩٥)، و «تفسير القرطبي» (٢/ ٢٥٢)، و «المهذب» (٢/ ١٨٨)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٢٩).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٤٥٠٤)، والترمذي (١٤٠٦)، وأحمد (٢٧٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>