وقالَ الكُوفيُّونَ: لا قِصاصَ في عَظمٍ يُكسَرُ إلا السِّنَّ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ﴾ [المائدة: ٤٥]، وهو قَولُ الليثِ والشافِعيِّ، واحتَجَّ الشافِعيُّ فقالَ: إنَّ دونَ العَظمِ حائلًا مِنْ الجِلدِ ولَحمٍ وعَصَبٍ، فلو استَيقنَّا أنَّا نَكسرُ عَظمه كما كسَرَ عَظمه لا يَزيدُ عليهِ ولا يَنقصُ فَعلْناهُ، ولكنَّا لا نَصلُ إلى العَظمِ حتى نَنالَ منه ما دُونَه ممَّا ذكَرْناهُ أنا لا نَعرفُ قدْرَه ممَّا هو أقلُّ أو أكثَرُّ مما نالَ غيرهُ، وأيضًا فإنَّا لا نَقدرُ أنْ يَكونَ كَسرٌ ككَسرٍ أبدًا، فهو مَمنوعٌ.
وقالَ الطحَاويُّ: اتَّفقُوا أنه لا قِصاصَ في عَظمِ الرَّأسِ، فكذلكَ سائرُ العِظامِ.
والحجةُ لمالكٍ حَديثُ أنسٍ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ في سِنِّ الرُّبيعِ:«كِتابُ اللهِ القِصاصُ»، فلمَّا جازَ القِصاصُ في السنِّ إذا كُسرِتْ وهيَ عَظمٌ فكذلكَ سائرُ العِظامِ، إلا عَظمًا أجمَعوا أنه لا قِصاصَ فيه؛ لخَوفِ ذَهابِ النفسِ منه، وأنه لا يُقدَرُ على الوُصولِ فيه إلى مثلِ الجِنايةِ بالسَّواءِ، فلا يَجوزُ أنْ يُفعلَ ما يُؤدِّي في الأغلبِ إلى التَلفِ إذا كانَ الجارحُ الأولُ لم يُؤَدِّ فعلُه إلى التلفِ.
وقالَ ابنُ المُنذرِ: ومَن قالَ: «لا قِصاصَ في عَظمٍ» فهو مُخالفٌ للحَديثِ، والخُروجُ إلى النَّظرِ غيرُ جائزٍ مع وُجودِ الخبَرِ (١).
وقالَ الإمامُ ابنُ عبدِ البَرِّ ﵀: قالَ مالكٌ: الأمرُ المُجتمعُ عليهِ عندَنا أنَّ مَنْ كسَرَ يدًا أو رِجلًا عَمدًا أنه يُقادُ منه ولا يُعقلُ.