للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وغيرِه، وهو الذي يدلُّ عليه ما يَأتي مِنْ صحَّةِ الصَّلاةِ خلفَ المُبتَدِعِ، مع أنَّه قد وُجِدَ فيه قَولٌ بكُفرِه ممَّن يُعتَدُّ بقولِه، وإن كانَ خِلافَ الرَّاجحِ، ولم يَقع قَولٌ ممَّن يُعتَدُّ بقولِه بكُفرِ الفاسِقِ بجارِحةٍ، إلا تاركَ الصَّلاةِ عندَ الإمامِ أحمدَ، ومَن وافَقَه، وعلى المُعتمَدِ الاقتِداءُ به مَكروهٌ؛ حيثُ كانَ فِسقُه غيرَ مُتعلِّقٍ بالصَّلاةِ، كشُربِ خَمرٍ ونحوِه. وأمَّا ما تَعلَّق بها، كقَصدِ الكِبرِ بعُلُوِّه؛ فإنَّه يُمتنَعُ الاقتِداءُ به، ولا يَصحُّ. وفي قولِ مَنْ قالَ: إنَّ فاسِقَ الجارِحةِ أسوَأُ حالًا مِنْ فاسِقِ الاعتِقادِ بَحثٌ، انظُرِ استِدلالَه وَردَّه في شَرحِنا الكَبيرِ (١).

وذَهب الإمامُ أحمدُ في أشهَرِ الرِّوايَتَينِ عنه إلى عدمِ صحَّةِ إمامةِ الفاسِقِ، قالَ في الشَّرحِ الكَبيرِ: والفاسِقُ يَنقَسِمُ على قِسمَينِ: فاسِقٍ مِنْ جِهةِ الاعتِقادِ، وفاسِقٍ مِنْ جِهةِ الأفعالِ، فأمَّا الفاسِقُ مِنْ جِهةِ الاعتِقادِ فمَتى كانَ يُعلِنُ بِدعَتَه ويَتكلَمُ بها ويَدعو إليها ويُناظِرُ لم تَصحَّ إمامَتُه، وعلى مَنْ صلَّى وَراءَه الإعادةُ، قالَ أحمدُ: لا يُصلَّى خلفَ أحَدٍ مِنْ أهلِ الأهواءِ، إذا كانَ داعِيَةً إلى هَواهُ، وقالَ: لا يُصلَّى خلفَ المُرجِئِ، إذا كانَ دَاعِيَةً، وقالَ القاضي: وكذلك إن كانَ مُجتَهِدًا، يَعتقدُها بالدَّليلِ، كالمُعتَزِلةِ والقَدَريَّةِ وغُلاةِ الرَّافِضةِ؛ لأنَّهم يكفرونَ ببِدعَتِهم.

وإن لم يكن يُظهِرُ بِدعَتَه ففِي وُجوبِ الإعادةِ خلفَه رِوايَتانِ:

إحداهما: تَجِبُ الإعادةُ، كالمُعلِنِ بِدعَتَه، ولأنَّ الكافِرَ لا تَصحُّ الصَّلاةُ خلفَه، سَواءٌ أظهَرَ كُفرَه، أو أخفاه، كذلك المُبتَدِعُ، قالَ أحمدُ في رِوايةِ أبي


(١) «شرح مختصر خليل» (٢/ ٢٢، ٢٣)، و «عيون المسائل» (١/ ١٣٨)، و «التبصرة» (١/ ٣٢١)، و «الإشراف» (١/ ٣٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>