يُحصِّلُه، بل يَحصلُ التلفُ عندَه بغيرِه ويَتوقفُ تَأثيرُ ذلكَ الغيرِ عليهِ، كالحَفرِ مع التَّردِّي، فإنه لا يُؤثرُ في التلفِ ولا يُحصلُه، وإنما يُؤثِّرُ التخطِّي في صَوبِ الحُفرةِ، والمُحصِّلُ للتلفِ التردِّي فيها ومُصادمتُها، لكنْ لولا الحَفرُ لَمَا حصَلَ التلفُ، ولهذا سُمِّيَ شرطًا-.
ومثلُه الإمساكُ للقاتلِ، وهذا لا قِصاصَ فيه.
وإما سَببٌ، وهو ما يُؤثرُ في الهلاكِ ولا يُحصلُه.
وَجهُ الحَصرِ في ذلكَ أنَّ الفاعلَ لا يَخلو إما أنْ يَقصدَ عَينَ المَجنيِّ عليهِ أو لا، فإنْ قصَدَه بالفِعلِ المُؤدِّي إلى الهَلاكِ بلا واسِطةٍ فهو المُباشَرةُ، وإنْ أدَّى إليه بواسِطةٍ فهو السببُ كالشَّهادةِ بمُوجِبِ قِصاصٍ، وإنْ لم يَقصدْ عينَ المَجنيِّ عليهِ بالكلِّيةِ فهو الشرطُ.
والسَّببُ يَنقسمُ إلى ثَلاثةِ أضرُبٍ:
الأوَّلُ شَرعيٌّ: كشَهادةِ الزُّورِ، ويُقتصٌّ مِنْ شُهودِ الزُّورِ، فلو شَهدَا رَجلانِ على شَخصٍ عندَ قاضٍ بقِصاصٍ-أي: بمُوجِبِه- في نَفسٍ أو طَرفٍ، أو شَهدَا عليهِ برِدَّةٍ أو سَرقةٍ فقُتلَ المَشهودُ عليهِ أو قُطعَ بعدَ حُكمِ القاضي بشَهادتِهما ثمَّ رجَعَا عنها وقالا:«تَعمَّدْنا الكَذبَ فيها وعَلِمْنا أنه يُقتلُ أو يُقطعُ بشَهادتِنا» لَزمَهُما حِينئذٍ القِصاصُ؛ لأنهما تَسبَّبَا في إهلاكِه بما يَقتلُ غالبًا، فأشبَهَ ذلكَ الإكراهَ الحسِّيَّ، إلا أنْ يَعترفَ وَليُّ المَقتولِ بعِلمِه بكَذبِهما في شَهادتِهما حينَ القَتلِ فلا قِصاصَ عليهِما حِينئذٍ؛ لأنهما لم يَلجَآ إلى قَتلِه حِسًّا ولا شَرعًا، فصارَ قَولُهما شَرطًا مَحضًا كالإمساكِ مع القاتِلِ،