للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يَبطلُ بما إذا زنَى بابنتِه فإنه يُرجَمُ وكانَ سبَبَ وُجودِها وتَكونُ هي سبَبَ عدَمِه، ثمَّ أيُّ فِقهٍ تَحتَ هذا، ولِمَ لا يَكونُ سبَبَ عَدمِه إذا عصَى اللهَ تعالَى في ذلكَ.

وقد أُثِرَ عن رَسولِ اللهِ أنه قالَ: «لا يُقادُ والِدٌ بوَلدِه»، وهو حَديثٌ باطلٌ، ومُتعلَّقُهم أنَّ عُمرَ قضَى بالدِّيةِ مُغلَّظةً في قاتلِ ابنِه، ولم يُنكِرْ أحَدٌ مِنْ الصَّحابةِ عليهِ، فأخَذَ سائرُ الفُقهاءِ المُسألةَ مُسجَلةً وقالوا: لا يُقتلُ الوالِدُ بوَلدِه، وأخَذَها مالكٌ مُحكَمةً مُفصَّلةً فقالَ: إنه لو حذَفَه بسَيفٍ، وهذه حالةٌ مُحتمِلةٌ لقَصدِ القتلِ وغَيرِه، وشَفقةُ الأبوَّةِ شُبهةٌ مُنتصِبةٌ شاهِدةٌ بعَدمِ القَصدِ إلى القَتلِ تُسقِطُ القوَدَ، فإذا أضجَعَه كشَفَ الغِطاءَ عن قَصدِه، فالتَحقَ بأصلِه (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ : واختَلفُوا مِنْ هذا البابِ في الأبِ والابنِ، فقالَ مالِكٌ: لا يُقادُ الأبُ بالابنِ إلا أنْ يُضجِعَه فيَذبحَه، فأما إنْ حذَفَه بسَيفٍ أو عَصًا فقتَلَه لم يُقتلْ، وكذلكَ الجَدُّ عندَه مع حَفيدِه.

وقالَ أبو حَنيفةَ والشافِعيُّ والثوريُّ: لا يُقادُ الوالِدُ بوَلدِه ولا الجَدُّ بحَفيدِه إذا قتَلَه بأيِّ وَجهٍ كانَ مِنْ أوجُهِ العَمدِ، وبه قالَ جُمهورُ العُلماءِ.

وعُمدَتُهم حَديثُ ابنِ عبَّاسٍ أنَّ النبيَّ قالَ: «لا تُقامُ الحُدودُ في المَساجدِ، ولا يُقادُ بالوَلدِ الوالِدُ» (٢).


(١) «أحكام القرآن» (١/ ٩٤، ٩٥).
(٢) رواه الدارمي في «سننه» (٢٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>