وسَببُ اختِلافِهم: ما رَوَوهُ عن يَحيَى بنِ سَعيدٍ عن عَمرِو بنِ شُعيبٍ «أنَّ رَجلًا مِنْ بَني مُدلِجٍ يُقالَ له قَتادةُ حذَفَ ابنًا له بالسيفِ فأصابَ ساقَهَ فنزَفَ جُرحُه فماتَ، فقَدِمَ سُراقةُ بنُ جُعشُمٍ على عُمرَ بنِ الخطَّابِ فذكَرَ ذلكَ له، فقالَ له عُمرُ: اعدُدْ على ماءِ قُدَيدٍ عِشرينَ ومائةَ بَعيرٍ حتى أَقدمَ عليكَ، فلمَّا قَدِمَ عليهِ عُمرُ أخَذَ مِنْ تِلكَ الإبلِ ثَلاثينَ حِقَّةً وثَلاثينَ جَذعةً وأربَعينَ خَلفةً، ثم قالَ: أينَ أخو المَقتولِ؟ فقالَ: ها أنا ذا، قالَ: خُذْها؛ فإنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «ليسَ لقاتِلٍ شَيءٌ»، فإنَّ مالِكًا حمَلَ هذا الحَديثَ على أنه لم يَكنْ عَمدًا مَحضًا، وأثبَتَ منه شِبهَ العَمدِ فيما بينَ الابنِ والأبِ.
وأما الجُمهورُ فحَمَلوهُ على ظاهِرِه مِنْ أنه عَمدٌ؛ لإجماعِهِم أنَّ مَنْ حذَفَ آخَرَ بسَيفٍ فقتَلَه فهو عَمدٌ.
وأما مالِكٌ فرَأى لِمَا للأبِ مِنْ التسلُّطِ على تَأديبِ ابنِه ومِن المَحبةِ له أنْ حمَلَ القتلَ الذي يَكونُ في أمثالِ هذهِ الأحوالِ على أنه ليسَ بعَمدٍ ولم يتَّهِمْه؛ إذ كانَ ليسَ بقَتلِ غِيلةٍ، فإنما يُحملُ فاعِلُه على أنه قصَدَ القتلَ مِنْ جِهةِ غَلبةِ الظنِّ وقُوةِ التهمةِ؛ إذ كانَت النيَّاتُ لا يطَّلعُ عليها إلا اللهُ تعالَى، فمالِكٌ لم يَتهِمِ الأبَ حيثُ اتهَمَ الأجنبيَّ؛ لقُوةِ المحبَّةِ التي بينَ الأبِ والابنِ.
والجُمهورُ إنما عَلَّلوا درْءَ الحدِّ عن الأبِ لمَكانِ حقِّه على الابنِ.
والذي يَجيءُ على أصولِ أهلِ الظاهِرِ أنْ يُقادَ (١).