وأيضًا نهَى النبيُّ ﷺ حَنظلةَ بنَ أبي عامِرٍ الراهِبَ عن قتلِ أبيه وكانَ مُشرِكًا مُحارِبًا للهِ ولرَسولِه وكانَ مع قُريشٍ يُقاتلُ النبيَّ ﷺ يومَ أحُدٍ، فلو جازَ للابنِ قَتلُ أبيه في حالٍ لَكانَ أَولى الأحوالِ بذلكَ حالُ مَنْ قاتَلَ النبيَّ ﷺ وهو مُشرِكٌ؛ إذ ليسَ يَجوزُ أنْ يكونَ أحَدٌ أَولى باستِحقاقِ العُقوبةِ والذمِّ والقتلِ ممَّن هذه حالُه، فلمَّا نهَاهُ ﷺ عن قَتلِه في هذهِ الحالِ عَلِمْنا أنه لا يَستحقُّ قتْلَه بحالٍ، وكذلكَ لو قذَفَه لم يُحَدَّ له، ولو قطَعَ يَدَه لم يُقتَصَّ منه.
ولأنَّ النبيَّ ﷺ قالَ:«أنتَ ومالُكَ لأبيكَ»، فأضافَ نفْسَه إليه كإضافةِ مالِه، وإطلاقُ هذهِ الإضافةِ يَنفي القَودَ كما يَنفي أنْ يُقادَ المَولَى بعَبدِه؛ لإطلاقِ إضافتِه إليه بلَفظٍ يَقتضِي المِلكَ في الظَّاهرِ، والأبُ وإنْ كانَ غيرَ مالكٍ لابنِه في الحَقيقةِ فإنَّ ذلكَ لا يُسقطُ استِدلالَنا بإطلاقِ الإضافةِ؛ لأنَّ القوَدَ يُسقطُه الشُّبهةُ، وصِحةُ هذهِ الإضافةِ شُبهةٌ في سُقوطِه، ويَدلُّ عليهِ أيضًا ما رُويَ عن النبيِّ ﷺ أنه قالَ:«إنَّ أطيَبَ ما أكَلَ الرَّجلُ مِنْ كَسبِه، وإنَّ ولَدَه مِنْ كَسبِه»، وقالَ ﷺ:«إنَّ أولادَكُم مِنْ كَسبِكُم، فكُلُوا مِنْ كَسبِ أولادِكم»، فسَمَّى ولَدَه كَسبًا له كمَا أنَّ عبْدَه كَسبُه، فصارَ ذلكَ شُبهةً في سُقوطِ القِصاصِ به؛ لأنه يُدرأُ بالشُّبهاتِ، ولأنه سَببُ إيجادِه، فلا يَنبغي أنْ يَتسلطَ بسَببِه على إعدامِه.